مراحل تصفية القضية الفلسطينية
مراحل تصفية القضية الفلسطينية

مراحل تصفية القضية الفلسطينية

الكاتب: د.ناجي صادق شراب
الفرضية التي تقوم عليها مقالة اليوم الإدراك الإسرائيلي مدعوما بتأييد أمريكي غير مسبوق من إدارة الرئيس ترامب ان هذا هو الوقت المناسب للتخلص من وتصفية القضية الفلسطينية، وإستمرارا لهذه الفرضية الإعتقاد الراسخ ان ما يسمى بصفقة القرن او الحديث عن التسوية التاريخية للقضية الفلسطينية تقوم على ضرورة التخلص أو إيجاد حلول نهائية للقضايا الرئيسة التي تتشكل منها القضية الفلسطينية، وأبرز هذه القضايا القدس، والطابع اليهودي لإسرائيل وقضية اللاجئين. 
إذن لا بد من إستبعاد هذه القضايا أولا عن أي تسوية، ومما يشجع على هذا التصور والإعتقاد ان الظروف الداخلية فلسطينيا وإسرائيليا والبيئة الإقليمية العربية والمجاورة، والتحولات الدولية هي الانسب الان للتخلص من العقدة الفلسطينية، الوضع الفلسطيني يعاني من مظاهر ضعف ووهن كثيرة تطال الجسد السياسي والإقتصادي، وإسرائيليا تحكمها حكومة يمينية تسابق الزمن للتخلص من القضية بفرض الحل السكاني فقط، وإقليميا الاوضاع العربية تعاني من تراجعات واضحة في القوة وفي المدركات والتصورات السياسية وفي مفهوم من هو العدو، وفي غلبة القضايا الداخليه على القضية الفلسطينية، وحصر القضية بمجرد نزاع ثنائي فلسطيني إسرائيلي، وعلى مستوى الدول الإقليمية المجاورة كإيران وتركيا فالقضيه بإختصار ليست قضية أمن ومصلحة قوميه عليا لها، والقضيه مجرد توظيفا وآداة، ودوليا ما زالت الولايات المتحدة القوة الأحادية المتحكمة في التفاعلات الدولية، والقوى الدوليه الأخرى كروسيا والصين تسعى لثبيت قواها بعيدا عن المواجهة مع الولايات المتحدة.
هذه المعطيات هي التي تفسر لنا التصلب الإسرائيلي، والتوجهات السياسية الأمريكية الجديدة، وما يدعم هذه الفرضية أن السلام التاريخي أو صفقة القرن ما كان يمكن ان يحدث لولا هذه المعطيات المشجعة على فرض تصور نهائي للقضية، وهنا من الاهمية بمكان توضيح ماذا يقصد بصفقة القرن او التسوية النهائية، المعنى هنا معنى لفظى، وذا دلالات سياسية، بعبارة اكثر توضيحا وتفسيرا تدرك الإدارة الامريكيه الجديدة ان ظروفها ومعطياتها أكثر مواءمة لعقد هذه الصفقة والتي تتلخص في التخلص من عقدة القضية الفلسطينية، اي ان المعنى ينصب على فرض التسوية وليس التسوية ذاتها، وتمهيدا لهذه التسوية لا بد من تهيئة البيئة التي تتشكل منها القضية بما يخدم تمرير بل وفرض هذه التسوية. ضغوطات وتهديدات على السلطة الفلسطينية بحجب الأموال عنها والحيلولة دون توفير البديل، وتهديدات وضغوطات لكل الدول التي تقف ندا ضد السياسة الامريكية، ويصل هذا التهديد للمنظمة الدولية الام: الامم المتحدة، والتهديد بتقليص الدعم المالي، والتهديد من الانسحاب من بعض منظماتها كاليونسكو. ويلي هذه التهيئة السياسية الشروع في التخلص من القضايا الرئيسة للقضية الفلسطينيه، بدءا بالإعلان عن ان القدس عاصمة لإسرائيل، وحصرها في جانب ديني محدد، وتفريغها من مضامينها السياسية، والرهان على ان ردود الفعل الإقليمية والدولية وحتى فلسطينيا يمكن إحتواؤها، وإستيعابها، وبعد ان تهدأ ردود الفعل هذه تبدأ الخطوة الثانية بالتخلص من اهم القضايا المجسدة والحاملة للقضية الفلسطينية وهى قضية اللاجئين الفلسطينيين، أولا بتجميد المخصصات المالية المقدمة للوكالة، بهدف تقليص خدماتها، وثانيا بتحللها وتفريغها من كل مدلولاتها السياسية. فالأونروا وجودها يعني إستمرار قضية اللاجئين، ما يرتبط بهذه القضية من قرارات دولية كالقرار رقم 194 والذي يطالب بعودة اللاجئين، ثانيا عبر التخلص من المخيمات الفلسطينية كما في سوريا ولبنان والعمل على إعادة توطنيهم وإستيعابهم محليا.
وتأتي بعد ذلك الخطوة الثالثة بالإعتراف بهودية إسرائيل كدولة للشعب اليهودي، وهذه الخطوات لتنجح تحتاج إلى تبنيها من قبل دول أخرى، وهذا ما اعتقد سيكون محور السياسة الامريكية والإسرائيلية، وبالتخلص من هذه القضايا ماذا يتبقى من القضية الفلسطينيه؟ لن يتبقى إلا بقعة جغرافية محدودة يسكنها بعض من الملايين، معزولون جغرافيا. وبحث القضية سيكون في هذا الإطار المكاني والبشري، وسيتراوح ما بين توسيع في دائرة الحقوق الممنوحة لهم، وقدر من الادارة الذاتية لإدارة شؤونهم في سياق إقليمي أوسع وأشمل، حل بعيدا عن مفهوم الحقوق المشروعة التي أكدتها الامم المتحدة، وبعيدا عن مفهوم الحقوق الوطنية التي تتجسد في إطار دولة مستقلة.
[email protected]