الشاب محمد النونو.. هاجر إلى اليونان رغبة بحياة أفضل لتوافيه المنية في بلاد الغربة غرقا
الشاب محمد النونو.. هاجر إلى اليونان رغبة بحياة أفضل لتوافيه المنية في بلاد الغربة غرقا

الشاب محمد النونو.. هاجر إلى اليونان رغبة بحياة أفضل لتوافيه المنية في بلاد الغربة غرقا

خاص لموقع الجديد – اسلام الخالدي

شهيد الغربة محمد النونو ابن الثلاثين ربيعاً، ترك ذويه وأصدقاؤه في صدمة مدوية، أوقعت أثراً بالغاً على كل من عرفه عن كثب ومن بعد، بعدما وافته المنية قبل بضعة أيام غرقاً في اليونان التي انتقل اليها، رغبة في الاستقرار لمكان أفضل، وتحقيق آماله وأهدافه التي كان ينوي الوصول إليها.
فلم يكن على بال أحد من أقاربه وأصدقاؤه، بأنه سيلقى حتفه في بلاد الرخاء التي طمح بالوصول إليها، ليعيش حياة كريمة بدلاً من الواقع المفروض عليه وجميع الشباب الغزي، من ذل وفقر مدقع أحالهم نحو الهاوية، وجعل جل تفكيرهم بالبحث عن بدائل تخلق لهم جواً يتناسب مع طموحاتهم ويليق باحتياجاتهم.
فاجعة الموت...
ففي بيت العزاء الذي يخيم الصمت والحزن أرجاؤه، والجميع في حضرة الموت سكون، قابلنا (ام مصطفى) والدة الشهيد محمد النونو وهي وفي حالة حزن يخيم على قلبها بين الفينة والأخرى، فما زال أثر الصدمة كبير على قلبها الذي بات معلقاً على عودته بأي لحظة، فتقول بصوت حزين: "مصابنا جلل وفاجعتنا أكبر من المتوقع، فموت محمد كان صدمة كبيرة لنا جميعاً، لكن ايماننا بقضاء الله وقدره كان أكبر"، راجية من الله لقاؤه في الجنة.
وعن صفاته تضيف: " محمد مثال جيد للشاب الطيب الخلوق، وكل البلد أجمعت على ذلك، فصدمتهم بخبر وفاته دليلاً كافياً بمدى حب الجميع له ورضاهم عن أخلاقه، فكان ملتزماً محبوباً ومرضياً، ونعم الولد البار فلم يكن إلا الشاب المهذب"، مؤكدة على أنه نشيط وطموح للغاية، مفضلاً الاختلاف والتمييز عما هو حولهم بالوصول نحو أهدافه التي كان دائماً يخطط وينوي تحقيقها، هذا ما دفعه للهجرة.
وعن حياته الاجتماعية تنوه، إلى أنه شاب جامعي ومتزوج ولديه ابنه لا تتجاوز الثلاثة أعوام، خلفها وراؤه تتحمل صعوبات الحياة القاسية في غربة لعينة يشرفن على رعايتها مجموعة من النساء اللاتي يقمن مع ذويهم في المخيم، كون والدتها في صدمة لا تعي عن الحياة شيئاً بعد فقدانها زوجها، أمام ناظريها.

وتشير أم مصطفى، إلى أن حصار غزة المستمر وما ترتب عليه من واقع اقتصادي سيء والذي كان مثالاُ لبداية انهيار اجتماعي وفي كافة مناحي الحياة، هو ما دفع محمد وأمثاله للهجرة، تاركين أحمال هذا الواقع القاتل لرغباتهم لغيرهم، كون الشباب لديهم دافع النشاط والتجديد، ولم يكونوا على حسبان بالذي ينتظرهم من واقع أسوأ على حد ما وصفت.
فتتابع عن حياته في بلاد الغرب: "واقع غزة وما نعيشه من ضيق وأزمة أفضل بكثير من حياة الغربة، كون ما يجدونه الشباب عكس ما يتمنوه أبداً فهم يهاجرون رغبة بتطوير ذاتهم وتحسين أوضاعهم، إلا أن الواقع الحقيقي الذي ينتظرهم مليء بالذل والاهانة، فهم يتنقلون قسرا وإجباريا في مخيمات لا تصلح للعيش، على ورق مقوى ينامون، ويصطفون طوابير لنيل وجباتهم وقضاء الحاجة في المرافق العامة، ولا يسمح لهم التنقل إلا داخل البلد، فهم عبارة عن مساجين.."، مؤكدة رفضها القطعي للهجرة.
 


"كان اخر اتصال بينها وبين محمد قبل وفاته بيوم، فكان فرحاً للغاية بانتقاله إلى معسكر جديد في اليونان أفضل من المعسكر الذي كان يعيش به سابقاً، منتظراً انتهاء مدة اقامته الجبرية والتي تتراوح من بين (6-7 شهور)، حيث كان ينوى الانتقال لبلجيكا والاستقرار هناك"، هذا ما أفادت به.
وعن خبر وفاته، تقول: "مجرد وقوع الحادثة لم يتسن لأصدقائه المرافقين معه الكتمان، فعن طريق الانترنت وصلنا الخبر بسرعة البرق ليدوي على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وينتشر بين الأقارب والمعارف، ومن هنا افتتحنا بيت العزاء في ظل صدمة وحزن كبير".


الظروف الصعبة أحالت بتفكيره نحو الهجرة
ومن هنا انتقلنا للحديث مع صديقه المقرب له وزميل عمله في مطعم "مسك وعنبر" لبيع البوظة والمثلجات وسط مدينة غزة، الشاب همام الغفري، الذي عمل معه لأكثر من سبع سنوات منذ عام 2007م، فيقول: "محمد نعم الشاب الملتزم والخلوق فهو بمثابة أخ لي، وصديقي المقرب بالعمل، فكان نشيطاً ويحرص كل الحرص على اتقان عمله على ما يرام، كون النشاط والاجتهاد عنوانه، وهذ ما كان يحثني عليه دوماً".
"أثناء معرفتي بمحمد كان طالباً جامعياً يدرس في قسم المحاسبة، ويدبر مصاريف جامعته من مدخراته التي كان يعمل بها شهرياً هنا في هذا المحل، رغم العائد المادي المتواضع، إلا أنه كان مثابراً وحريصاً على الجد والاجتهاد، فبعد الدوام يأتي للعمل بروح رياضية ومرحة، وكان محبوباً لدى الجميع"، هذا ما أضافه.
ويؤكد همام، بأن محمد لم يكن بباله السفر بداية إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة جعلته يرتأي بموضوع الهجرة إلى بلد تنعش واقعه للأفضل، مشيراً إلى أن فكرة سفره كانت مفاجأة، فمنذ شهر ونصف جاء ليودعهم مفصحاً عن انتقاله خارجاً.
ويضيف: "محمد أثناء السفر تم ترحيله عن طريق الحدود قسراً، كون هجرته غير شرعية، وانقطع الاتصال معه لمدة شهر كامل، ومنذ حينها لم أتمكن من الوصول إليه، حتى انتقاله للمعسكر الجديد، فلم يسعفني الوقت بالتواصل معه ليلقى حتفه غرقاً أثناء رحلة بحرية قام بها هو وعائلته وأصدقاؤه الذي تعرف عليهم هناك، لينتشر خبر وفاته على مواقع التواصل الاجتماعي بلمح البصر"، مؤكداً على صعوبة الخبر وصدمته الشديدة، فلم يصدق بعد.
"وعلى حسب معرفتي الجيدة بمحمد، فكان شاباً مليئاً بالطموحات، يسعى دوماً لتغير ذاته، هذا ما جعل يلتف حول فكرة الهجرة كون المدة الأخيرة وبعد انتقاله للعمل في وزارة التربية والتعليم محاسباً، ومع اشتداد وتيرة الأزمة الاقتصادية وتحصيلهم الشهري بات غير مجدياً، فكان يصرف له راتباً متدنياً كل ثلاثة شهور مرة، لا يتجاوز الـ 1000شيكل، هذا ما جعله يبحث عن بديلاً حثيثاً يوفر له حياة كريمة، وهي الهجرة".
ويشير إلى أن محمد رياضياً، سافر لعدة بطولات محلية ودولية وحاز على جوائز عدة في مجاله الرياضي، وكان له ثمرة وبصمة خاصة في الأندية الفلسطينية.

ففي ظل الظروف الصعبة والتي تحيط بالواقع الغزي من حصار مفروض أودى بأركان الحياة الاقتصادية والاجتماعية للهاوية، ليجعل جل تفكير الشباب نحو الهجرة، طمعاً بحياة أفضل توصلهم بأهدافهم وترتقي بطموحاتهم وآمالهم، التي باتت معلقة إلى حد غير معلوم في معيقات لم تكن بحسبانهم.

ومن المعروف بأن الشباب طاقاتهم كامنة ولا بد من تفجيرها في عالم بعيد كل البعد عن معيقات تحيل بطموحاتهم وتقتل شعور النشاط لديهم، وهذا ما نراه واضحاً جلياً في أعداد الشباب المهاجرين من قطاع غزة للخارج سواء عن طريق الهجرة الشرعية أو غير الشرعية، حيث أن الكثير منهم يتعرضون للخطر سواء أثناء انتقالهم أو مكوثهم في بلاد الغرب، فالأمان لم يكن  كافياً بعد.