لماذا يعتبر ارتفاع أسعار النفط خبراً سيئاً بالنسبة للسعودية على الرغم من جني المملكة أرباحاً من ذلك؟
لماذا يعتبر ارتفاع أسعار النفط خبراً سيئاً بالنسبة للسعودية على الرغم من جني المملكة أرباحاً من ذلك؟

لماذا يعتبر ارتفاع أسعار النفط خبراً سيئاً بالنسبة للسعودية على الرغم من جني المملكة أرباحاً من ذلك؟

اعتبرت صحيفة Wall Street Journal الأميركية أن الزيادة في أسعار النفط حالياً لن تكون في صالح المملكة العربية السعودية على الرغم من حاجتها الآنية لهذه الزيادة، فعلى المدى البعيد قد يصبح الأمر خبراً سيئاً للمملكة.

وفي مقال في الصحيفة الأميركية الكاتبة كارين إليوت هاوس، الأربعاء 26 سبتمبر/أيلول 2018 قالت إن ارتفاع أسعار النفط من 80 دولاراً إلى 100 أيعد ذلك خبراً ساراً للمملكة السعودية الغنية بالنفط؟ على المدى القصير الإجابة هي: نعم. لكنَّ الزيادة في عائدات النفط لن تؤدي سوى إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الأوسع في المملكة.
رؤية ولي العهد السعودي

وتولى وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان السلطة العام الماضي 2017، وقدم مجموعةً من التعهدات الواعدة بوقف اعتماد السعودية على النفط عن طريق خصخصة الاقتصاد الذي تسيطر عليه الحكومة، وإنهاء نظام الإعانات للشباب وإلحاقهم بوظائف في القطاع الخاص للبلاد.

وتعهّد كذلك الأمير الشاب بتشجيع صناعاتٍ جديدة مثل السياحة، وإدخال تغييراتٍ جذرية على القيود الدينية التي تقف في طريق وسائل الترفيه، وقيادة المرأة، والاختلاط بين الجنسين. وكان من المقرر طرح نسبة 5% من أسهم شركة أرامكو السعودية للنفط للاكتتاب العام الأوليّ، ما كان سيؤدي إلى جمع نحو 100 مليون دولار وفقاً للتوقعات. وكان سيُستثمر هذا المال بدوره في البلاد وخارجها من أجل خلق فرص عمل جديدة للسعوديين بعيداً عن النفط.

بدلاً من ذلك، جمَّد الملك سلمان الطرح الأولي لأسهم أرامكو إلى الأبد، مع أنَّه بمثابة حجر الأساس في خطة الإصلاح التي طرحها ولي العهد تحت اسم «رؤية 2030». وتوقف نمو القطاع الخاص فجأةً نظراً لفرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%، جنباً إلى جنب مع الارتفاع الحاد في أسعار استهلاك الطاقة والكهرباء والمياه في مطلع هذا العام 2018، ما أدى إلى خفض إنفاق المستهلكين. هذا إضافةً إلى عمل آخر يعوق نمو الاقتصاد، تمثَّل في رحيل نحو 750 ألف عامل أجنبي، اضطروا لمغادرة المملكة بدلاً من دفع ضرائب حكومية مفروضة حديثاً على العمال الوافدين.
العثور على عمالة سعودية أمر صعب

وبالتالي واجه أصحاب الأعمال الصغيرة تراجعاً في العائدات، في الوقت الذي تطالبهم فيه الحكومة بتوظيف سعوديين بمرتباتٍ أعلى من الموظفين الأجانب الذين رحلوا إلى بلادهم.

وبحسب الصحيفة الأميركية من الصعب العثور على عمالةٍ سعودية بالرغم من المعدل الرسمي للبطالة الآخذ في الارتفاع، الذي بلغ 12.8%، وهو بالتأكيد أعلى من ذلك في الواقع. إذ لا يزال الكثير من الشباب السعودي عازفاً عن العمل في القطاع الخاص بسبب انعدام الأمان واحتمالية التعرض للطرد. ويرون أنَّه من الأفضل لهم التأني والسعي وراء الوظيفة الحكومية بمزاياها وراحتها. وبالتالي تظل رؤية تحويل السعوديين من مُستقبلين للإعانات إلى مشاركين سراباً إلى حدٍ كبير.

كذلك لم تتحقق خطة الحكومة لجذب مبالغ كبيرة من الاستثمار الأجنبي المباشر. ولا شك أنَّ قرار ولي العهد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي باعتقال مئاتٍ من كبار الأمراء والوزراء ورجال الأعمال السعوديين بتهم الفساد تسبب في تثبيط حماسة المستثمرين. وتقول الحكومة إنَّ احتجازهم في فندق ريتز كارلتون أفضى إلى استرداد 100 مليار دولار من الأرباح غير الشرعية. وأُطلق سراح أغلب المحتجزين بالفندق بعدما تعهدوا بدفع مبالغ مختلفة طالبتهم الحكومة بها.

لكن نظراً لشبح احتجاز أولئك الأثرياء المشهورين لشهورٍ في غرف الفندق المعزولة بلا هواتف، لم يكن ارتفاع عائدات النفط كافياً لاستعادة ثقة المستثمرين الأجانب بالمملكة. وفي غضون ذلك، زاد تدفق رأس المال خارج المملكة بسبب تردد أصحاب الأموال في الاستثمار داخلها والمخاطرة بالخضوع لتدقيق الحكومة. وأدى ارتفاع معدل البطالة وارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ وتيرة الإنفاق الحكومي، فضلاً عن الشك بشأن المستقبل الاقتصادي للبلاد، إلى عزوف المستثمرين الأجانب والمحليين.
الاقتصاد السعودي متوقع أن ينمو هذا العام

وبحسب الصحيفة الأميركية، على الرغم من كل ذلك فإنَّه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد السعودي هذا العام بنسبة 2.2%، ويُعزَى الفضل بدرجة كبيرة إلى ارتفاع عائدات النفط. ويمثل ذلك تحسناً جيداً مقارنةً بنسبة العام الماضي 0.9%، وذلك وفقاً لتقديرات شركة جدوى للاستثمار، وهي واحدة من أكثر شركات التقييم موثوقيةً في المملكة.

وكذلك سيزيد الناتج المحلي الإجمالي في قطاع النفط بنسبة 3.3%، مقارنةً بتراجع بنسبة 3% في العام الماضي 2017. ومن المتوقع أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 1.4% على خلفية العائدات من ضريبة القيمة المضافة، ورسوم وضرائب المغتربين، والزيادات الضخمة في أسعار الطاقة. كل تلك الأشياء تصبّ في مصلحة عائدات الحكومة، لكنَّها تُحجِّم من إنفاق المستهلك ونمو القطاع الخاص، ما يترك المواطنين السعوديين في حالة من عدم الاستقرار.

تحويل الاقتصاد الذي تسيطر عليه الحكومة إلى اقتصادٍ يعتمد على الشركات الخاصة والمبادرات الفردية هو هدفٌ يستعصى تحقيقه، مثلما أدرك ميخائيل غورباتشوف عندما أدت جهوده الإصلاحية إلى تفكك الاتحاد السوفييتي. فالمواطنون الذين اعتادوا الخضوع للهيمنة والمتواكلون لا يمكنهم التكيف بسهولة.

تُدعم أسعار النفط المتزايدة مقاومة المجموعتين للتغيير، ما يفاقم من تحدي القيادة الماثل أمام وليّ العهد. ويقول الكثير من السعوديين إنَّ ذلك التغيير القاسي ليس ضرورياً لأنَّ «الحكومة تمتلك أموالاً». وتتوقع شركة جدوى للاستثمار أن تصل عائدات تصدير النفط إلى 223 مليار دولار هذا العام، ما يعني زيادةً بنسبة 31% عن العام الماضي 2017. ونظراً لتلك الزيادة المزمعة، إضافةً إلى المائة مليار دولار التي تزعم الحكومة استردادها من محتجزي فندق الريتز كارلتون، لا يرى الكثير من السعوديين داعياً للتضحية، كما تقول الصحيفة الأميركية.
الزيادة ستذهب إلى الحكومة وليس السعوديين

لكنَّ ولي العهد، على النقيض من أسلافه، لن يعيد تلك الزيادة في العائدات إلى المواطنين الغاضبين في صورة إعاناتٍ أو دعمٍ حكومي. وبدلاً من ذلك فإنَّه يستغل الكثير من الأرباح النفطية غير المتوقعة لتقليل عجز الحكومة، وهو أمرٌ يستحق المديح. ومع ذلك، نادراً ما يحظى الزعماء بتقديرٍ من شعوبهم تجاه تصرفاتهم في مسؤولياتهم المالية، كما تقول الصحيفة الأميركية.

يتمثل التحدي الآن أمام وليّ العهد في تشديد قبضته على منح الإعانات، وإنهاء ولع الحكومة المستمر منذ عقود ببناء المشاريع العملاقة، وترك دفة الاقتصاد في قيادة القطاع الخاص. وما دامت الحكومة هي مَن ينتقي الفائزين والخاسرين، سيظل الاقتصاد الخاص مُصاباً بالضعف، عاجزاً عن توظيف الباحثين عن العمل حاليّاً أو السعوديين الذين يخرجون إلى سوق العمل كل عام ويصلون إلى 300 ألف شخص.