"يا مناديب التموا التموا"..

"يا مناديب التموا التموا"..

كتب..هيئة التحرير

أثار نشر تقرير سري مسرب لأحد الاجهزة الامنية في الضفة الغربية قبل أسابيع حول النشاط الذي يقوم به بعض النشطاء السياسيين خلال وقفة احتجاجية عقب استشهاد الشهيد المفكر باسل الأعرج غضب وسخرية البعض من تعامل أجهزة الامن مع مثل هذه النشاطات.

والحقيقة أن ماورد في التقرير امر محزن ،خاصة في شبه دولة ترزح تحت الاحتلال يعاني أبناؤها من القمع والملاحقة من الاحتلال منذ عشرات السنين، وهم احوج ما يكونون إلى ممارسة الحرية والديمقراطية والتعبير عن الرأي في أضيق الحدود وعلى الهوامش المتاحة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

لكن ما يدعو للحزن أكثر من التقرير ومن محاولات التضييق التي تتبعها أجهزة الامن أيا كانت أسبابها ،هو هؤلاء النشطاء أنفسهم الذين نعلق عليهم الآمال في تشكيل وعي الشباب وقيادة الجموع نحو رأي وفكر حر مستنير ومتحرر ،لنتبين أن المصالح الشخصية والاهداف غير المعلنة هي مايحرك الكثيرين منهم.

فنفس النشطاء الذين يخرجون في الوقفات الاحتجاجية ضد السلطة واجهزة الامن والتنسيق الامني ،انتقدوا طرد الوفد الأمريكي من الغرفة التجارية ببيت لحم قبل أسابيع قليلة معللين ذلك بغضبهم من هذه الفوضى وأن البلد أصبحت "سلطة" !

المؤسف أن الجميع يحاول أن يخلق لنفسه هاله مقدسة ويطلق الأحكام الوطنية والاخلاقية وفقا لقراره ورأيه ومزاجه الشخصي ،بل ومصلحته الخاصة أيضا ويمنع على الآخرين ان يفكروا أو ينتقدوا أو يقوموا بمخالفة الرأي ،وإلا خرجوا من القائمة الوطنية النضالية لـ"فداة الحمى" ،"طخيخة الكيبورد" الذين يطلون علينا عبر الشاشات يستهزؤون بكل ما وصلت إليه "ماوساتهم".

الأسوأ في الموضوع أن هؤلاء لهم أتباع يحاولون التملق لهم ،بضع شبان وفتيات

صغار في العمر تراهم في كل "بوست" و"كومنت" يطبلون ويتملقون و"يسحجون" عسى أن ينالوا لقب الناشط الذي يحق له مالا يحق لغيره في الاستهزاء بالاخرين والانتقاد من اجل الانتقاد ، والنضال المستميت من اجل رفع مستوى اللايك والشير.

هذه الحالة من الشوفينية والخواء الفكري والوطني لا تبني أوطانا ،فلا يوجد حزن يعادل أن يكون التعامل والتفكير والنظر بهذه الازدواجية تجاه الأمور والقضايا المفصلية في حياتنا ،وأن يكون "الدونر" من جهة و"اللايك"  من جهة أخرى هما المحدد والمشكل لوعينا تجاه قضايانا الوطنية.

المضحك المبكي في الأمر وبالعودة للتقرير الأمني المسرب "إياه" فقد ضج هؤلاء الرفاق بالتقرير المسرب،لكنهم صدموا صدمة العمر بعد فقدان اسم صديقهم الناشط الشرس، فادي الحمى، والمقاتل العظيم من أجل المبادئ الوطنية الذي علل عدم وجود اسمه بوجود تقرير اخر ورد اسمه فيه ،تقرير يبدو أنه لم يراه أحد سواه!،مادفع أصدقاءه لتوجيه الاتهامات العلنية له بأنه "مندوب" وهو لفظ متعارف عليه في هذه البلاد منذ نشأة السلطة الوطنية يطلق على الشخص المتخابر مع أجهزة الامن سرا.

نفس"الفادي" شن هجوما عنيفا على أحد رجال الأعمال الذي قطع عنه الدعم المالي بعد اكتشافه حقيقة أنه يقوم بـ"سرقة" المساعدات التي يتم التبرع بها للمناشدات الإنسانية التي ينشرها عبر حسابه على "الفيسبوك".

زميل آخر له "جرجره" الدونر إلى سقطه لا تغفر،حيث وجه له المبعوث الامريكي "غرينبلات" ضمن قائمة من الشخصيات دعوة للحضور إلى السفارة الامريكية في القدس عقب قرار ترامب،وبعد أن حذرت السلطة الفلسطينية تلك الشخصيات من مغبة تلبية هذه الدعوة ،أصابه الغرور معتقدا أنه "فهلوي" إلى حد جعله يلبي الدعوة بالسفر إلى واشنطن بدل القدس،حتى أنه قام بتقديم برنامجه الصباحي عبر الهاتف على اعتبار أنه في الوطن مضللا جمهوره ومستمعيه إلى أن قام والده بفضح أمره دون قصد.

في الحقيقة،وهي حقيقة مرّة بلا أدنى شك ،فقد وصلنا إلى مرحلة اليأس وفقدان الثقة والبوصلة وأصبح الحليم حيرانا ،وكفانا الله وإياكم شر الفيسبوك وأحواله ورجاله ، وعلى رأي "الأصلع" اللي قال "يامناديب التموا التموا"..