لعنات بولتون المشؤومة
لعنات بولتون المشؤومة

لعنات بولتون المشؤومة

عمر حلمي الغول - إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حتى الآن تعاني من نقص وعيوب في مركباتها، ولم تكتمل ملامحها، وتعيش في دوامة أزمة عضوية نتاج مكوناتها المتناقضة مع روح الدستور الأميركي، والمتناغمة مع توجهاتها العنصرية والاستعلائية، والمتناقضة مع الكل العالمي بقدر تناقضها مع الداخل الأميركي.

من تابع خلال العام الأول التشوش والإرباك، الذي واجهه الرئيس الأميركي الـ 45 في بناء صرح إدارته، أدرك عدم تمكنه من إقناع العديد من الشخصيات الأميركية من تبني توجهاته العنصرية، بذات السوية التي كان يبحث فيها عن أشخاص بعينهم، ومن خلفيات أيديولوجية ودينية عقائدية محددة، وحتى العديد من العنصريين الأقحاح تنافروا مع الرجل السبعيني المتغطرس المقيم في البيت الأبيض. وهذا العامل ليس شكليا، انما هو إنعكاس لعمق الأزمة، التي تعيشها الإدارة، وهي بالضرورة إنعكاس لأزمة الولايات المتحدة مع ذاتها، ومع الآخر العالمي، ونتاج إفلاس في الإمساك بزمام مقاليد الدور والمكانة العالمية السابقة. كما انها ارتداد عن روح العولمة الأميركية إلى زمن نشوء الولايات المتحدة قبل 500 عام خلت.

ولعل تعيين جون بولتون يوم الخميس الماضي كمستشار للأمن القومي بدلا عن هربرت مكماستر، الذي رحبت به القيادة الإسرائيلية الاستعمارية دون سواها، يعكس أحد ملامح الأزمة الأميركية. حيث يلاحظ تخلي الرئيس ترامب عن بعض الوجوه المقبولة نسبيا مثل وزير الخارجية السابق، تيلرسون، أو هروب واستقالة بعضها الآخر، أو رفض البعض مبدأ ترشيح الرئيس لتوليه مهمة في الإدارة. وبالتالي استقطاب بولتون لاستلام موقع شديد الحساسية في الولايات المتحدة، وهو الرجل العنصري المعادي بشكل فج لقوانين وأعراف ومواثيق الأمم المتحدة، والداعم لخيار الحروب، والمدافع عن إسرائيل الاستعمارية، يؤكد أن إدارة الرئيس الأميركي الأفنجليكاني ماضية قدما نحو الهاوية، ويشير إلى نذير الشؤم العالمي، وإمكانية وقوع عواصف وحروب على أكثر من جبهة. لا سيما وان تعيين بولتون البغيض يأتي مع تفاقم وتعاظم الدين العام على الولايات المتحدة، الذي وصل إلى 22 تريليون دولار أميركي، وعدم تمكن أميركا من الخروج من دوامة الأزمة الاقتصادية الكارثية، التي حلت بها في الربع الأخير من عام 2008، ومع رفع شعار "أميركا أولا"، الذي لا يعني وحدة وصيانة النسيج والمركب الأميركي العام بكل تلاوينه الإثنية والدينية والثقافية، بل يقصرها على العنصر الأبيض، وأتباع العقيدة الدينية المسيحية الصهيونية، فيهدد القومية الأميركية، ويعيدها إلى الخطاب الشعبوي الضيق، أو إن جاز التعبير الخطاب "الداعشي" الخطير.

وفي ذات الوقت يضع الولايات المتحدة في تصادم تام مع الآخر العالمي، وهو ما تجلى في قرارات الرئيس ترامب المختلفة: في الإصطدام مع الحلفاء قبل الأعداء في الاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو، وفي اتفاقية المناخ، وفي فرض الضرائب على الألمونيوم والفولاذ، وفرض الضرائب على الصين، وتصاعد حدة التناقض مع روسيا، ومع كوريا الشمالية، ومع المكسيك وأميركا اللاتينية عموما، وأفريقيا من خلال التصريحات والمواقف العنصرية، وفي معاداة الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية، وتأييد الإستعمار الإسرائيلي، وعبر التهديد والتلويح بمعاقبة دول العالم، كما أعلنت نيكي هيلي، مندوبة أميركا في الأمم المتحدة عندما صوتت تلك الدول لصالح القرار الرافض لاعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2017، وحتى بالأمس بعد تصويت لجنة حقوق الإنسان الأممية لصالح القضية والشعب الفلسطيني عادت ولوحت بالعصا الغليظة في مواجهة الأمم المتحدة.

ترامب العنصري القبيح يبحث عن أقرانه الأشد عنصرية، والذين يهددون مصير أميركا قبل أن يهددوا مصير العالم، وباختياره جون بولتون البشع لتولي مسؤولية مستشار الأمن القومي، يكون فاقم من أزمة أميركا، وكمن أطلق الرصاص على قدميه. وهذا ليس جهلا، بل هو خيار وقرار رئيس الولايات المتحدة، وبالتالي لا يجوز لاي مراقب أن يفاجأ في حال تدهورت الجبهات الداخلية والخارجية الأميركية لأن المقدمات ومكونات ورموز الإدارة الأميركية القائمة برئاسة الرئيس ترامب، ستؤدي لنتائج متناسبة معها طرديا. ولعنات بولتون المشؤومة ستصيب العالم كله.