هل يخسر أردوغان أصواتهم بعد تحالفه مع القوميين؟.. الأكراد صانعو الملوك في الانتخابات التركية القادمة
هل يخسر أردوغان أصواتهم بعد تحالفه مع القوميين؟.. الأكراد صانعو الملوك في الانتخابات التركية القادمة

هل يخسر أردوغان أصواتهم بعد تحالفه مع القوميين؟.. الأكراد صانعو الملوك في الانتخابات التركية القادمة

رام الله - الجديد

مع قرب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 24 يونيو/حزيران 2018، تتجه الأنظار إلى المدن التركية ذات الغالبية الكردية، التي يُتوقع أن يكون لها دور رئيسي في تحديد الفائز بالانتخابات برمّتها.

فقد أشارت استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنه رغم امتلاك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتحالف الشعب -الذي يضم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية- فرصاً كبيرة بالفوز في الانتخابات، فإن النسب تظل متقاربة، مما يعني أن الأكراد الذين يشكلون قرابة 18% من الناخبين قد يؤدون دور صانع الملوك في الانتخابات.

تملك تركيا أكبر عدد من السكان الأكراد في المنطقة، يقدَّر عددهم بـ15 مليون نسمة، توزَّعت غالبية أصواتهم في الانتخابات الأخيرة بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعوب الديمقراطي. في حديث لـ"عربي بوست"، وصف الباحث والمحلل السياسي علي باكير الصوت الكردي بأنه "الأكثر ضبابية، والأقل انفتاحاً للتعبير عن توجهاته الحالية بشكل علني"،  مشيراً إلى أن الأصوات الكردية في الانتخابات الرئاسية ستكون بمثابة تسجيل موقف فقط لا غير، وذلك عكس الانتخابات البرلمانية، التي سيكون فيها الصوت الكردي بمثابة "بيضة القبان".

توزُّع الأكراد في تركيا

يعيش قرابة نصف الأكراد في جنوب شرقي تركيا، ويتوزع الباقي في وسط وغرب البلاد. ويشير الصحفي التركي نوزات بينغول إلى أن 6 إلى 10% من الأكراد محافظون ويقيمون بالمدن الكبرى، ويمنحون أصواتهم لحزب العدالة والتنمية.

يملك حزب العدالة والتنمية قاعدة قوية لدى الأكراد بالمناطق الريفية، المحافظين في الغالب، وينتمي معظمهم إلى عشائر كبيرة. وقد مال هؤلاء إلى جانب الحكومة التركية في صراعها ضد حزب العمال الكردستاني أو تنظيم "بي كا كا"، خاصة منذ عام 2015، حسب تقرير لمجموعة الأزمات الدولية.

يُعد حزب "القضية الحرة-Hüda Par" أكبر الأحزاب المحافظة، ويملك قاعدة انتخابية صغيرة تتراوح بين 3 و5% من الأصوات في ولايات باطمان ودياربكر وبينغول، و0.3% من إجمالي الأصوات بتركيا.

ولا يعكس الحجم الصغير نسبياً للأحزاب الكردية المحافظة تأثيرها الحقيقي؛ لأن لممثليها المحليين أثراً مُهماً يمتد إلى دوائر أوسع من الناخبين. ورغم تصريح قيادات هذه الأحزاب بعدم اتفاقهم مع بعض سياسات الرئيس أردوغان، فإنهم أعلنوا تأييدهم إياه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

أما الأكراد اليساريون، فيدعمون تاريخياً الأحزاب القومية الكردية، التي أغلقت الحكومات التركية عدداً منها منذ تسعينيات القرن الماضي. وتبني هذه الأحزاب برامجها، في الغالب، على المطالبة باللامركزية وإزالة المرجعية العِرقية من الدستور. وأشار الصحفي التركي محمد الهوتاميشي، في حديث لـ"عربي بوست"، إلى أن معظم الأكراد في المدن الكبرى مؤيدون لحزب العمال الكردستاني، ووضعهم المادي أفضل، وهم متفرغون للسياسة أكثر. وقد عززت هذه الأحزاب تماسكها ككتلة سياسية، من خلال ما تصفه بالمظلومية الكردية، المستندة إلى القمع والإجراءات الأمنية المشددة من قِبل الحكومات التركية بجنوب شرقي البلاد في تسعينيات القرن الماضي.


"الشعوب الديمقراطي"
يُعد حزب الشعوب الديمقراطي النسخة الأحدث للأحزاب القومية الكردية التي تأسست منذ 30 عاماً. وقد حاز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، 10.7% من الأصوات، مما أهَّله لدخول البرلمان. معظم هذه الأصوات جاء من ناخبين أكراد في مناطق حضرية، وثلثها من شريحة كردية ريفية لا تدعم حزب العدالة والتنمية في العادة، بالإضافة إلى بعض الناخبين الليبراليين واليساريين الأتراك. ورغم تصريح مسؤولي الحزب بعدم وجود تداخل عملياتي بينه وبين تنظيم "بي كا كا"، فإنهم يُقرّون بتداخل الشريحة الاجتماعية الداعمة للحزب والتنظيم. في حين ترى الحكومة التركية أن "بي كا كا" يتحكم في حزب الشعوب الديمقراطي بالكامل.

بعد انهيار عملية السلام وسلسلة من الأعمال الإرهابية التي اتُّهِم "بي كا كا" وتنظيمات يسارية بالوقوف وراءها، أدت إجراءات الحكومة التركية في عام 2015، إلى تجريد برلمانيِّين من حزب الشعوب الديمقراطي من حصانتهم بتهمة دعم "بي كا كا"، واعتقال 25 نائباً منهم من أصل 59. وحتى الآن، ما يزال 9 منهم قيد الاعتقال، منهم الزعيم المشارك للحزب المُرشح للانتخابات الرئاسية صلاح الدين دميرطاش.

شلّت هذه الاعتقالات، والإجراءات الأمنية المشددة، التي وصلت إلى فروع الحزب والمنظمات ووسائل الإعلام الداعمة له، حركة الحزب. ورغم ذلك، توقع استطلاع للرأي –أجرته شبكة بلومبيرغ– دخول الحزب إلى البرلمان، وزيادة حصته من الأصوات في الانتخابات المقبلة إلى 11.7%. وهنا تجدر الإشارة إلى أن نسبة كبيرة من الناخبين الأكراد أيدت الاستفتاء على التعديلات الدستورية في أبريل/نيسان 2017، حسب الباحث السياسي جلال سلمي، الذي قال في حديث لـ"عربي بوست"، إن ديار بكر "عاصمة المدن الكردية في تركيا" أيدت التعديلات الدستورية. وعزا سلمي ذلك إلى أن المدن ذات الغالبية الكردية بحاجة إلى الاستقرار الذي حصلت عليه خلال عملية السلام -وقف إطلاق النار والمفاوضات بين الدولة التركية و"بي كا كا" التي استمرت بين عامي 2012 و2015 – مع الأخذ بعين الاعتبار فقدان كثير من الأكراد الأمل بحزب الشعوب الديمقراطي، بعد دخول عدد من زعمائه السجن. وأشار سلمي إلى أن الأكراد الذين فقدوا الأمل بحزب الشعوب الديمقراطي، قد تصب أصواتهم لصالح "العدالة والتنمية". كما أن حزب الشعب الجمهوري تخوَّف كذلك، حسب سلمي، من رد الفعل الشعبي الذي قد يكون سلبياً تجاه تحالفه مع "الشعوب الديمقراطي"، المتهم بدعم التنظيمات الإرهابية.


الأكراد صانعو الملوك
يملك الصوت الكردي تحديد نتيجة الانتخابات من خلال 3 مُحدّدات. يتمثل الأول في احتمال خسارة "العدالة والتنمية" عدداً من الأصوات الكردية في المناطق الحضرية، وذلك بسبب ما وُصِف باقتراب "العدالة والتنمية" أيديولوجياً من حزب الحركة القومية اليميني، خاصة بعد تشكيل تحالف الشّعب، الأمر الذي قد يُنفّر بعض الأصوات الكردية، ويُهدّد من ثم فرص فوز أردوغان بالرئاسة من الجولة الأولى، وفرص تحالف الشعب في تحقيق الأغلبية البرلمانية.

ويتعلق المحدد الثاني بالانتخابات الرئاسية، التي لا يبدو الصوت الكردي مؤثراً فيها حسب علي باكير، خاصةً إذا صبَّت معظم الأصوات الكردية لصالح دميرطاش. لكن باكير رأى أن أي صوت سيخسره دميرطاش في الانتخابات الرئاسية سيكون -على الأرجح- من نصيب أردوغان، خاصة بعد تأييد الأكراد النظام الرئاسي في الاستفتاء الدستوري العام الماضي (2017).

أما المحدد الثالث الأكثر جوهرية، فسيكون في الانتخابات البرلمانية، التي يدخلها حزب الشعوب الديمقراطي منفرداً؛ سعياً وراء تجاوز العتبة الانتخابية المتمثلة بـ10% من الأصوات، خاصة بعد اختيار حزب الشعب الجمهوري التحالف مع الحزب الجيد -المُنشق عن "الحركة القومية"- على التحالف مع "الشعوب الديمقراطي"، المُتنافر أيديولوجيّاً مع القوميين. وهنا سيلعب الصوت الكردي دور "بيضة القبان" حسب باكير، فإذا حصل "الشعوب الديمقراطي: على النسبة المطلوبة ودخل البرلمان، فسيصب ذلك في مصلحة المعارضة ككُل، وربما يؤدي إلى فقد "العدالة والتنمية" الأغلبية البرلمانية. أما إذا لم يتمكن "الشعوب الديمقراطي" من دخول البرلمان، فستتحول نسبة كبيرة من أصواته لصالح حزب العدالة والتنمية وتحالف الشعب، الذي ربما يحصل على غالبية برلمانية تفوق نسبة 50% ببضع نقاط مئوية. عودة حرية الانتخاب؟ اتّهمت الحكومة التركية في الانتخابات السابقة أعضاء تنظيم "بي كا كا" بالضغط على الناخبين المحليين في المدن والأرياف جنوب شرقي البلاد. وترى الحكومة أن تقدُّم العمليات العسكرية ضد التنظيم بتركيا وفروعه في سوريا والعراق سيؤثر على حرية الانتخاب بالبلاد، حسبما صرح وزير الداخلية سليمان صويلو، الذي أعلن أن "نهاية أسطورة قنديل ستنعكس على صناديق الاقتراع". أشار الصحفي التركي محمد الهوتاميشي لـ"عربي بوست"، إلى أن عدد الناخبين في بعض القرى بجنوب شرقي البلاد كان قليلاً، ممّا يُسهّل حصر المصوّتين لـ"العدالة والتنمية" ومعاقبتهم من قِبل تنظيم "بي كا كا". وقال الهوتاميشي إن الحكومة التركية عمدت إلى نقل فرز الأصوات من القرى إلى دوائر أكبر في المدن، ممّا يُصعّب مهمة تعقّب المصوّتين لـ"العدالة والتنمية"، الأمر الذي تعتقد الحكومة أنّه سيزيد فرص "العدالة والتنمية" في هذه المناطق.