جرس إنذار.. وضع التعليم بالوطن العربي
جرس إنذار.. وضع التعليم بالوطن العربي

جرس إنذار.. وضع التعليم بالوطن العربي

ندى أمين

لماذا توجد دائماً أموال طائلة لتمويل الحرب والخراب ولا توجد مثلها لتمويل التعليم والصحة والإعمار؟ ما مصير الأطفال بالدول التي تعاني من الحروب والنزاعات؟ كيف ستُبنى هذه الدول بعد حالة الفوضى العارمة التي عاشتها أو تعيشها في ظل انهيار كبير في البِنى التحتية والمرافق العامة؟

وأي مستقبل ينتظر الأطفال بالدول العربية، وخصوصاً تلك التي تعيش حالة من الصراعات الدائمة بعد حرمان الكثيرين منهم من عيش طفولتهم في أمان، وبعد أن حرموا من حقهم المنصوص عليه في اتفاقيات الأمم المتحدة المختصة بأهداف التنمية المستدامة؟ ومن ضمنها تمكين الأطفال من الحصول على حق التعليم المجاني والإلزامي في المرحلة الأساسية.

التقرير الذي صدر في 27 ديسمبر/كانون الأول 2016 عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أشار إلى تدنّي مؤشرات جودة التعليم بمعظم البلدان العربية، وخروج السودان وخمس دول عربية أخرى، هي سوريا واليمن وليبيا والعراق والصومال من نطاق تقييمها للعام 2016، وذلك بسبب الافتقار لأبسط معايير الجودة في التعليم في هذه الدول، مما يجعلها غير مؤهَّلة للدخول ضمن إطار التقييم الذي اشتمل على 140 دولة في العالم.

ويأتي تقييم المؤشر لجودة التعليم وترتيب الدول فيه استناداً إلى مؤشر التنافسية العالمي الذي حدده المنتدى الاقتصادي العالمي، ويتم احتساب درجات المؤشر عن طريق جمع البيانات العامة والخاصة المتعلقة بنحو 12 فئة أساسية، تضم المؤسسات، والابتكار، وبيئة الاقتصاد الكلي، والصحة والتعليم الأساسي، والتعليم الجامعي والتدريب، وكفاءة أسواق السلع، وكفاءة سوق العمل، وتطوير سوق المال، والجاهزية التكنولوجية، وحجم السوق.

وفي هذا السياق، جاءت سنغافورة في المرتبة الأولى عالمياً، تلتها سويسرا ثم فنلندا، بينما احتلت دولة قطر الترتيب الرابع على المستوى العالمي، والأول عربياً، وصنف المؤشر دولة الإمارات في المرتبة العاشرة، ولبنان في الـ25، ثم البحرين في المرتبة الـ33، وجاءت الأردن في المرتبة الـ45، والمملكة العربية السعودية في المركز الـ54، بينما جاءت مصر في المركز قبل الأخير.


غلبة الأمن

ويرجع هذا التدهور إلى أن معظم الدول العربية خصصت نصيب الأسد من ميزانيتها السنوية للجانب الأمني والدفاعي، بينما أهملت التعليم.

مع استثناء دول الخليج التي لا يشكل الأمن هاجساً كبيراً بالنسبة لها؛ نظراً لعوامل الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي، وبالتالي نال التعليم والارتقاء به مستوى جيداً من الاهتمام.

وتمثل قطر نموذجاً باحتلالها المرتبة الأولى عربياً والرابعة عالمياً فيما يختص بجودة التعليم؛ حيث إنه بمجرد أن تولّى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم في قطر كان التعليم والإصلاح التعليمي من أولوياته الرئيسية.

ويأتي تقرير دافوس متضامنا مع التقرير الصادم ليونيسيف الذي صدر في سبتمبر/أيلول الماضي بعنوان "التعليم تحت النار"؛ حيث جاء فيه أن الصراعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تمنع أكثر من 13 مليون طفل من تلقي التعليم في المدارس، الأمر الذي يهدد بتحطيم مستقبلهم. وأوضح التقرير أن عدد أولئك الأطفال في سن الدراسة يبلغ 34 مليوناً، منهم 13.4 مليون لا يرتادون المدارس، أي ما يعادل نسبة 40%. وبحسب الأرقام الصادرة فإن 2.4 مليون طفل بسوريا وثلاثة ملايين طفل في العراق ومليونَي طفل في ليبيا وثلاثة ملايين طفل في السودان، إضافة إلى 2.9 مليون طفل في اليمن لا يرتادون المدارس.

وما يثير الانتباه في تقرير يونيسيف أن السودان احتل النسبة الأعلى في عدد الأطفال المحرومين من التعليم نتيجة للصراعات، في حين أنه يتمتع نسبياً بشيء من الاستقرار في أغلب أجزائه مقارنةً مع الصراعات والنزاعات الطائفية الدائرة منذ سنوات وعلى نطاق أوسع في بلدان مثل سوريا وليبيا والعراق.

ويُعزى هذا الأمر ليس فقط إلى الصراعات الدائرة الآن في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، بل أيضاً إلى إهمال الحكومة السودانية المتعمد لقطاع التعليم، وعدم رصد ميزانية تكفي لتغطية نفقات العملية التعليمية؛ مما أدى إلى تدهور تام في هذا القطاع، متمثلاً في عدم توافر البيئة المدرسية الملائمة، وهجرة المعلمين لضعف العائد المادي، وتسرب التلاميذ من المدارس لعدم مقدرتهم على سداد الرسوم الدراسية، أو للعمل بمهن هامشية على الأخص في المناطق الريفية.

ومن المفارقات الحقيقية في السودان أن نسبة الإنفاق الحكومي في التعليم لا تتعدى 1.4% من الموازنة العامة للدولة، مما أدى إلى تدهور مريع في جودة التعليم العام ودفع المواطنين إلى تعليم أبنائهم في المدارس والجامعات الخاصة، بالرغم من تردّي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ونتيجة لذلك صار الاستثمار في التعليم واحداً من أهم استثمارات الأفراد والقطاع الخاص، فهناك الآن أكثر من ألفي مدرسة خاصة في العاصمة الخرطوم وحدها، وتتراوح رسومها بين ألفين وعشرة آلاف دولار سنوياً.

وعموماً، في ظل ظروف الحرب والصراعات ليس بمستغرب إطلاقاً أن تتراجع معدلات التنمية البشرية؛ لأن الأولوية تكون لتوجيه الإنفاق العام نحو شراء الأسلحة وتمويل الأمن والدفاع وليس للاستثمار البشري من خلال الإنفاق على الرعاية الصحية والقطاعات الخدمية والتعليمية.

وعلى سبيل المثال، تراجع ترتيب سوريا في مؤشر التنمية البشرية من المرتبة 113 إلى 173 في قائمة الدول الـ187 الموقّعة على الأهداف الإنمائية للألفية.

وذكر تقرير صدر حديثاً عن المركز السوري لبحوث السياسات، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن التعليم هناك في حالة انهيار تام مع توقّف 50.8% من الأطفال في سن المدرسة عن الذهاب إليها خلال عامَي 2014 و2015، هذا بالإضافة إلى خسارة نصف الأطفال ثلاث سنوات من الدراسة، كما انخفض متوسط العمر المتوقع عند الولادة من 75.9 سنة عام 2010 إلى ما يقدّر بـ 55.7 في نهاية 2014 نتيجة تردّي مستوى الغذاء وبيئة السكن وأسلوب الحياة بشكل عام.

جهل أو تجاهُل

وتغفل كثير من الحكومات العربية عن عمد أو عن جهل قيمة التعليم وأهميته، فهنالك عدم وعي لدى هذه الحكومات لما يعرف باقتصاديات التعليم التي هي عبارة عن العلاقة الوطيدة بين تكاليف التعليم والإنفاق عليه من جهة، والمردود الإيجابي الذي يترتب عليه، على مستوى دخل الفرد المتلقي للتعليم، وكذلك على الدخل القومي، من جهة أخرى. فالإنفاق على التعليم يعدّ أهم أنواع الاستثمارات؛ لأنه يتعلق برأس المال البشري؛ إذ ينعكس التعليم إيجابياً على نمو الاقتصاد الوطني وعلى إيرادات الحكومة، ويؤدي إلى رفع مستوى المعيشة وتخفيض معدلات الجريمة والبطالة والفساد وتنمية الحس الوطني؛ لأن الفرد عندما يكون مكتفياً اقتصادياً يزيد حبه وعطاؤه لوطنه.

على جانب آخر، من المعلوم أن من الوظائف الرئيسة للتعليم إعداد القوى العاملة إعداداً يتلاءم مع حاجات المجتمع وظروف الاقتصاد الوطني وليس فقط تفويج الآلاف من الخريجين سنوياً، فالقوى العاملة المتعلمة المؤهلة تعد عاملاً رئيسياً من عوامل الإنتاج، ويفترض أن تكون ذات إنتاجية أعلى من القوى غير المتعلمة؛ لذا يُعد التعليم أداة مهمة لزيادة الإنتاج ورفع مستوى الدخل الفردي والقومي.

ولهذا يجب أن يكون تخطيط التعليم وتنظيمه أحد أهم الجوانب التي تهتم بها العملية التعليمية، إلى جانب الاستمرار في التدريب والتأهيل أثناء الخدمة لتحسين المهارات وتطوير المعرفة بما يتوافق مع مستجدات سوق العمل واحتياجاته.

ومن المعروف أن مستوى التعليم في الدول المتقدمة الغنية أعلى من مثيله في الدول النامية، والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى المخصصات الضخمة التي توفرها البلدان المتقدمة للإنفاق ليس فقط على التعليم، ولكن على جودة التعليم والدراسات المتخصصة والبحوث.

وإذا كان تقريرا يونيسيف ودافوس صادمَين، فإن الأرقام المذكورة فيهما تأتي نتاجاً طبيعياً للأزمات المتلاحقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فنظرة سريعة على دول هذه المنطقة تكشف بوضوح تام نتائج الصراعات العنيفة في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن، والتي أحدثت خسائر واسعة في الأرواح والبِنى التحتية والاقتصاديات الوطنية، وما لذلك من آثار غير مباشرة على البلدان المجاورة كالأردن ولبنان.

وتمر بعض بلدان "الربيع العربي" كتونس ومصر بمرحلة تحوّل سياسي حافلة بالتحديات والمصاعب أثّرت على اقتصاديات هذين البلدين نتيجة لتذبذب الأوضاع الأمنية والسياسية بهما؛ مما أدى إلى انخفاض عائدات السياحة التي يعتمدان عليها كواحد من أهم الموارد الاقتصادية الرئيسية.

يبقى القول: إن في الحرب خسارةً في الأرواح وتدميراً للبيئة والبِنى التحتية، وهي تؤدي إلى تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي؛ وبالتالي عدم قدرة الحكومات على القيام بمسؤولياتها تجاه مواطنيها، ولا ينتج عن هذا سوى المزيد من عدم الرضا والصراعات والخراب.

 

*عن الهاف بوست عربي