رقعة الشطرنج ... الأحجار تتحرك
رقعة الشطرنج ... الأحجار تتحرك

رقعة الشطرنج ... الأحجار تتحرك

بقلم د. أماني القرم

العالم رقعة شطرنج كبرى أحجارها هي الدول. اللاعبون هم القوى العظمى،يحرّكون الاحجار حسب المصالح والعلاقات والمتغيرات. تشعر أحياناً أن الرتابة والملل تسيطر على حركة اللعبة، بينما في أحيان أخرى تجد أن القطع تتحرك بسرعة وإثارة يصعب ملاحقتها ولكنها تنبئ بشيء ما يحدث في الأفق ..

ورغم أننا كعرب لسنا من هؤلاء الكبار،ومن المستبعد أن نكون في ظل هذه الأحوال، وسنبقى لفترة قادمة طويلة من المتفرجين بل والأغلب من البائسين المفعول بهم ، فهذا ليس معناه تجاهل معرفة ما يحدث وإنما يجدر بنا على الأقل أن نعلم إلى أي زمان نحن ذاهبون !؟

لنبدأ بالبيئة العالمية التي نعيشها فهي مفتاح النظر الى الصورة بوضوح . نحن في خضم الثورة الصناعية الرابعة التي تعد التكنولوجيا محورها الأساسي. وإذا كنت تعتقد أنك تدرك هذا الأمر باستعمالك الكمبيوتر وشبكات التواصل الاجتماعي والموبايل الذكي، فأنت مازلت تعيش في زمان الثورة الصناعية الثالثة، لأن الرابعة تعني أن التكنولوجيا الإبداعية ستخترق كل ما تلمسه يداك وتحتاجه لتعيش حياتك،بدءاً من الاستيقاظ للذهاب الى العمل / هذا إن وجدت عملاً/ ومروراً بالمركبات ذاتية القيادة في المدن الذكية والارتباط بالشبكة العالمية وتكنولوجيا الفضاء الخارجي وانتهاءً بجسمك وأمراضك وطبيبك.. وبمناسبة العمل يتوجب عليك البدء في التفكير بطريقة خلاّقة في الوظيفة المستقبلية لابنك او ابنتك لان المعيار الوحيد الذي ستعتمد عليه هو: الشئ الذي لا تستطيع الآلة فعله !!

هذه التغيرات تخلق بيئة تنافسية عالية المستوى تنعكس على توجهات واضعي السياسات العالمية. فقبل عدة أيام اختتمت قمة مجموعة العشرين وهي مجموعة الدول التي تستحوذ على أربعة اخماس الاقتصاد العالمي أي الكبار الذين يتحكمون في العالم..  والمفروض أن هذه المجموعة تم إنشاؤها فيما مضى لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وإنشاء فرص حوار بين الدول، ولكن في ظل الظروف الجديدة جاءت القمة الأخيرة لتوضح أن الانقسامات والمنافسات تدور على قدم وساق. فالحرب الاقتصادية التي تستعر بين قطبي العالم القويين: الصين والولايات المتحدة ألقت بظلالها على القمة، فخرجت نتائجها معززة للخلافات في أبرز محورين في عالم اليوم: التجارة والمناخ وما يرتبط بهما من صناعات وتنمية وحروب وتسويات .. .. أمريكا تقف في جهة والتسعة عشر دولة الأخرى في الجهة المقابلة!

أما الوسط الأوروبي مقبل على انعطافات خطيرة، فحال العجوزين بريطانيا وفرنسا ليس بالأفضل.. تنشغل بريطانيا بخروجها من الاتحاد الأوروبي فيما يحذر رئيس مخابراتها العسكرية ( MI6) اليكس يونغر من التقليل من شأن الدولة العتيدة ويتوعد الدول بجيل التجسس الرابع ليثبت أنهم مازالوا أقوياء. بينما تكافح فرنسا من اجل المحافظة على ما تبقى من تراثها السياسي والثقافي عبر إسكات أصوات أصحاب السترات الصفراء المتزايدة.

في العام 1999 كتب المفكر والمحلل الاستراتيجي بريجنسكي كتابه القيم "رقعة الشطرنج الكبرى " تحدث فيه بعنجهية عن الولايات المتحدة ودورها المرتقب في العالم ، حيث وصفها بأنها القوة العظمى الحقيقية الأولى والوحيدة والأخيرة التي لا تماثلها أية قوة اخرى،وعن أوروبا الحليف الوطيد لأمريكا والتي شبهها برأس الجسر الديمقراطي.. بعد ما يقارب العشرين عاماً على كتاب بريجنسكي ترفع أمريكا شعار إدفع كي نحميك ، بينما الصين تبني بثبات وثقة طريق الحرير بينها وبين الآخرين في مفارقة عجيبة تؤكد أن العالم تتجه عيونه الى الشرق..