كتب د.صلاح البردويل
بينما أتأمل في سيرة أصحاب الردود البذيئة على مبادرتي للمصالحة تأكد لي صحة ما ذهبت إليه بالأمس بأن هؤلاء ضحايا الجهل و التخلف ، و التعبئة الحاقدة ، لهذا يشتمون و يعارضون من أجل المعارضة ، و لا يقدمون بديلا سوى اليأس و قلة الأدب و إثارة النعرات ، و التحريض و الافساد كأنهم أعداء شعبنا و قضيتنا .
هذا النموذج من البشر عرفتهم عصور الفتن على مر التاريخ ، و فتحت مواقع التواصل الحديثة السهلة المجانية أبواب خلفية للتسلل الى صالونات الحوار و مجالس الكبار ، فكانوا بئس الجليس الذي تشقى بهم المجالس ، و صدق من أطلق عليهم اسم ( الذباب الالكتروني ) ، لا يضرون ، و لكن يصيبون النفوس بالتقزز .
أما أصحاب وجهات النظر المختلفة ، فكل الاحترام لهم ، ما دام المنطق منهجهم . مهما اختلفنا نجد قواسم مشتركة ، و مهما ابتعدنا نقترب.
إن أسوأ ما في الحوار عبر مواقع التواصل أنك تحاور اسماء منتحلة يختفي خلفها اغبياء موجهون و معبأون تعبئة مشبوهة ، و يتطاولون .
صدق فيهم الشاعر الفلسطيني معين بسيسو و هو يشكوهم الى الشاعر العظيم المتنبي، يقول :
يا أبا الطيب خصيان السلاطين و غلمان القياصر
كل من قد شده النخاس من وحل الضفائر
كل ذي قرط و خلخال و عقد و أساور
كل من لم يعرف الخيل و لا الليل و بيداء المخاطر
جاءنا يركب صهوات القصائد ؟ !
وكان المتنبي يضيق ذرعا بالمرتزقة من المستشعرين الذين يحاولون مزاحمته في عالمه الشعري الرائع ، فقال فيهم :
أرى كل يوم تحت ضبني شويعر
ضعيف يقاويني قصير يطاول
و ما التيه طبي فيهمو غير أنني
بغيض إلي الجاهل المتعاقل
و رحم الله أمي كانت تردد المثل الشعبي القائل :
الراي لاهل الراي بيسوى قبيلة
و الراي للمستجدين عوار
و عليه فإنني لن أمل من مخاطبة أهل الرأي المخلصين ، و لن أمل البحث عن بوارق أمل و سط ركام اليأس و الإحباط و التخريب.
اكرر من موقع الثقة بالله ثم من موقع الاستقواء بعدالة القضية ، و موقع الايمان بوعي أغلبية شعبنا و طاقاته الخلاقة ، و أن الزبد منا يذهب جفاء ، و أن ما ينفع الناس فينا أصيل ؛ أكرر دعوتي للصلح على أساس الأخوة و الشراكة و التكافؤ ، و أكرر دعوتي للحوار - ليس لمجرد الحوار - و لكن لوضع النقاط على الحروف في الكلمات التي اختلفت أهواؤنا على معانيها ، فتحولت حواراتنا حوارات طرشان ، و وثائقنا طلاسم ، يستقوي البعض عند تفسيرها بالشياطين ليحقق مأربه الخاص أو الحزبي !
أؤكد أن صفاء النوايا و الطوايا و استقلالية الأفكار و القرار هو البيئة الصحية لحوار المصالحة .
و أؤكد أن المصالحة هي الأصل في استعادة الوحدة و بناء النظام السياسي الفلسطيني الذي أصابه العوار.
أرجو عدم الاستعجال في الرفض ، و عدم التقوقع في دائرة الشروط المسبقة و الخيال الذي سول لابن ٱدم قتل أخيه فأصبح من النادمين .
و أتمنى على بعض المحللين الموتورين أن لا يفسروا دعوتي للمصالحة على أنها تعكس إفلاسا و استسلاما. جميعنا مسلمون مستسلمون لله ، أقوياء بالله ، أشداء على الكفار ، فلا بد أن نعود إلى الرحمة بيننا .
أناشد العقلاء أن يلجموا السفهاء ، و ينظفوا دواوينهم من الذباب الالكتروني الذي يتسلل الى مجالس الحوار .