59886247_291202558427211_2698801215076040704_n.jpg
59886247_291202558427211_2698801215076040704_n.jpg

تحقيق يكشف كيف تتم زراعة الفراولة في غزة بتمويل أممي وتستفيد من تصديرها "إسرائيل"

خاص الجديد الفلسطيني – تحقيق: محمد الخالدي

"من دقنه وافتله"، مثلَ شعبيَ مصري قديم يتناقله العرب بينهم في مجالسهم وأسواقهم، وهو يعكس صورة الشخص الذي يستفيد شيئًا بواسطة مقدرات شخص آخر ويحصل أيضاً على مقابل إزاء ذلك دون أن يكلف الطرف الأول شيئاً.

هذا المثل يطبقه الاحتلال الإسرائيلي حرفيًا مع الشعب الفلسطيني بعدة أشكال مختلفة، تمكنه من الاستفادة المادية والمعنوية على حساب هذا الشعب المحتل، من خلال إغلاق جميع المنافذ عليه وفتح طريق واحد باتجاهه حتى يصبح الخيار الوحيد أمام الفلسطيني، كمن يغلق جميع المحلات ويبقى على محله، إما أن تشتري أو تجوع إلى أن تموت، لكن هل من جهات أخرى تتحمل المسؤولية أيضًا؟

أحد أهم هذه الأشكال ألا وهو الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة وتدمير المطار الفلسطيني الوحيد ومنع إنشاء الموانئ ونشر الحواجز في الضفة المحتلة والسيطرة على المنافذ البرية والبحرية، وهذا ينتهك ( المادة 13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي ينص "لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة“، كما و“يحق لكل فرد أن يغادر أية بلد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليها“.

وتنبع أهمية الحق في حرية الحركة والتنقل من كونه شرطًا حيويًا لتطبيق وممارسة حقوق الإنسان الأخرى المثبتة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بحسب مركز البديل لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين.

على سبيل المثل وفي قطاع غزة تحديدًا، أجرى "الجديد الفلسطيني" استقصاءً صحفيًا حول زراعة "الفراولة" الخاصة بالتصدير إلى الأسواق العالمية، وعن آلية زراعتها وتصديرها وتسويقها والجهات القائمة على دعمها وتمويلها، حتى يتبين إذا ما كان هناك مسار يقود إلى استفادة إسرائيلية من تلك الزراعة التصديرية أم لا.

"الفراولة" يزرعها الغزي ويسوقها الاحتلال في الخارج

"الجديد الفلسطيني" تحدث مع المزارع أكرم أبو خوصة أحد ملاك المزارع، التي تنتج الفراولة التصديرية شمال قطاع غزة، قائلاً: "إن تلك المزارع مخصصة للتصدير ويُشرف عليها دوليًا، بل وتحظى بدعم أوروبي لضمان سلامة المنتج، وذلك بفرض شروط زراعية وفقًا للمعايير الدولية وفحصها مخبريًا قبل التصدير".

وشرح أبو خوصة، أن عملية التصدير لا يمكن أن تتم إلا عبر الجانب الإسرائيلي، بحيث تقوم جمعيات زراعية في القطاع بالتنسيق مع شركات إسرائيلية لتصدير الفراولة إلى الأسواق العالمية وتسويقها ثم تقاسم الأرباح بين الأطراف الثلاثة (الشركات الإسرائيلية، الجمعيات الزراعية الفلسطينية، المزارعون) حسب النسب المتفق عليها سلفًا.

ولفت إلى أن الفراولة يتم تعليبها في غزة ووسمها بلاصق مكتوب عليه باللغة الانجليزية "انتاج فلسطين" .

وهنا يأتي العامل الأول من استفادة الاحتلال من تلك الزراعة التصديرية، أما العامل الثاني، فقد اشتكى أحمد الشافعي رئيس جمعية غزة التعاونية الزراعية في تصريح صحفي، من ارتفاع أسعار أشتال الفراولة التي يستوردها المزارعون من الاحتلال الإسرائيلي، والذي يؤدي بدوره الى انخفاض الأرباح بشكل كبير، مشيرًا الى أن تكلفة زراعة دونم واحد من التوت يكلف 6000 شيكل مقابل ثمن الاشتال فقط.

هنا بين المزارع أبو خوصة، أنه يشتري ما يقارب من 500- 600 شتلة للدونم الواحد بسعر 15 شيكل للشتلة، مؤكداً أنه لا توجد مصادر أخرى لشراء الشتلات سوى "إسرائيل"، ما عدا مصر فلا يمكن الشراء منها كون شتلاتها لا تتطابق مع معايير وزارة الصحة في غزة.

وفي آخر إحصائية لوزارة الزراعة في غزة حول زراعة الفراولة، ذكرت أن المساحات المزروعة بالفراولة تبلغ 1200 دونمًا تنتج 3600 طن، منها 13.5 دونم مزروعة بنظام "المعلقة"، متوقعًا أن يتم تصدير أكثر من 1500 طن من الفراولة إلى دول العالم الخارجي ودول غرب أوروبا، إلا أن التصدير كان للضفة فقط مؤخراً بحسب محمد غبن مدير الجمعية التعاونية الزراعية في بيت لاهيا.

الرابح الأكبر الشركات الإسرائيلية

وللبحث بشكل مفصل حول عملية التصدير والتسويق، ومن الرابح الأكبر من تلك العملية؟

يجيب محمد غبن مدير الجمعية التعاونية الزراعية في بيت لاهيا شمال غزة، أن الجمعيات الزراعية في غزة وهي ثلاث جمعيات تعاونية واحدة في بيت حانون واثنين في بيت لاهيا هي من تنسق مع شركات إسرائيلية لتصدير وتسويق المنتجات الزراعية إلى الأسواق الاوروبية والعالمية, إلا أنه ومنذ ثلاث سنوات كان التصدير فقط للضفة الغربية ونادراً لتصدير الخضار إلى بعض الدول العربية، لأن التصدير للأسواق الأوروبية مؤخراً لم يعد يجدي نفعًا ماليًا، خصوصًا وأن تكلفة الشحن مرتفعة جدًا، بالإضافة إلى وجود منافسين جدد كالمغرب وأسبانيا القريبين على تلك الدول، حيث أصبح المناخ في أسبانيا ملائمًا لزراعة الفراولة.

وفيما يخص الأرباح، قال غبن:" نحن نبيع المنتجات للشركات الإسرائيلية وفق أسعار تحددها تلك الشركات حسب حالة السوق الأوروبي، حيث تتراوح الأسعار المعروضة علينا ما بين 10 إلى 20 شيكل للكيلو الواحد، وهنا نحن نقوم بحساباتنا، هل نقوم بالتصدير أم لا"

وأوضح أن، نسبة الجمعية من هذه التجارة 3%عمولة، مقابل تغطية خدمات الإدارة والحسابات والنقل والتغليف، أما الشركات الإسرائيلية لا يعرف نسبة الربح لديها، لكن من المؤكد أنها الأكثر ربحًا، على حد قوله.

وعن إذا ما كان هناك شركات بديلة - مصرية مثلاُ- بعيدة عن الاحتلال أو حتى إنشاء شركة فلسطينية متخصصة في هذا المجال تعود بالربح الكامل على الفلسطيني، أضاف غبن: "نأمل أن نسوق منتجاتنا من قبل شركات مصرية لكن هذا يحتاج إلى فتح معبر مخصص لتصدير البضائع كما أن الموضوع يحتاج إلى توافق سياسي لا دور لنا به".

وتابع :" نحتاج إلى شركات فلسطينية ومسوقين كي نطرح بديلاً عن الشركات الإسرائيلية، وللأسف لا تتوفر تلك الشركات الوطنية ولأنها تتحمل التكاليف العالية لهذا العمل، كما أن الملحق التجاري في السفارات الفلسطينية في العالم لديها تقصير في التعاطي مع هذا الشأن وليس لها وجود على أرض الواقع، الشركات الإسرائيلية لديها مسوقين في جميع أرجاء العالم ولديهم الجهوزية لإتمام ذلك".

وعلل غبن بأن الجمعيات الزراعية لا تستطيع التعامل مع شركات من دول أخرى لم تتعامل معها مسبقًا تضمن إيفاء مستحقاتها المالية، فقد تتعرض الجمعيات للنصب وهذه مخاطرة لا تستطيع تحمل تكاليفها، كما أن التعامل مع تلك الشركات يحتاج إلى دور من السلطة الفلسطينية أو الملحق التجاري لترعى وتضمن تلك الاتفاقيات وتجري المعاملات بين الغرف التجارية الأجنبية والفلسطينية.

وفي سؤال غبن، هل من الممكن أن يستغل الاحتلال الملصق المطبوع على علب الفراولة "انتاج فلسطين" لترويج المنتج للمجتمعات الأوروبية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية وتحقيق أرباح من ذلك في ظل تصاعد مقاطعة بضائع الاحتلال؟

قال: "هذا التصور قد يكون بعضه صحيح، سابقًا تلك المحاصيل التي كنا نصدرها من غزة كان يكتب عليها منتج إسرائيلي، بعدها تم التواصل مع السلطة والاتحاد الأوروبي للعمل من أجل تعريف ذلك المنتج بأنه فلسطيني، أو قد يستغل الاحتلال ذلك لتحسين صورته أمام العالم بأنه يسهل عملية التصدير من المعبر ثم إلى المطار، لكن ليس بيدنا حيلة، نحن الجمعيات حاولنا الحديث مع جميع الوزراء السابقين الذين زاروا غزة لتفعيل إنشاء شركة فلسطينية ولم نحظ باهتمام، نحن عملنا على إنشاء شركة فلسطينية للتسويق لكن الأمر فشل نظراً لعدم وجود ذاك الاهتمام".

وأشار إلى أن الفلسطيني في قطاع غزة مُحاصر، يُمنع عليه دخول المطارات الإسرائيلية من أجل ترتيب عملية التصدير ثم التسويق، كما أنه لا يمكنه التعامل مع المطارات المصرية، كون أن ظروف معبر رفح متقلبة قد تعرض المحاصيل الزراعية للفساد، خصوصًا المحاصيل المائية كالفراولة، إن لم تقم الجمعيات بذلك فسيموت المزارع من الجوع".

تلك العقبات والانتهاكات في حرية الحركة الاقتصادية خصوصًا بعد تدمير المطار الفلسطيني الوحيد والابقاء على منفذ تجاري واحد في غزة كثيراً ما يغلق ومنع إقامة ميناء بحري، بالإضافة إلى سحب التصاريح من التجار والتفتيش المتكرر للبضائع التي تُصدر للضفة وتفسد جراء ذلك كالفراولة، يعد انتهاكاً للبند (57) من اتفاقية باريس المبرمة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال عام 1994والتي تنص "سيكون للفلسطينيين الحق في تصدير منتجاتهم الزراعية إلى الأسواق الخارجية -دون قيود- على أساس شهادات المنشأ التي تصدرها السلطة الفلسطينية".

وحول دور وزارة الزراعة في غزة ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة في تلك المشاريع التصديرية، وإذا ما كان لـ "الفاو" أي دور تنسيقي مع الاحتلال فيما يخص المعبر التجاري "كرم أبو سالم"، شرح مدير الجمعية غبن، أن وزارة الزراعة في غزة دورها فني وإرشادي فقط وتمنح وزارة الصحة بغزة شهادة الفحص، أما في رام الله تمنح شهادة الفحص "اليورو 1" للتصدير لأسواق الأوروبية، مشيرًا إلى أن الشركات الإسرائيلية لا تفحص، لأن ما ترسله الجمعيات من غزة منتج فلسطيني.

أما الفاو فهي تقدم مشاريع دعم للمزارعين منها المشروع الهولندي وله علاقة بشهادات الجودة كي يتمكن المزارعون من تصدير تلك المنتجات إلى الأسواق الأوروبية حسب معاييرها، وتقوم الآن بإعداد مشروع جديد للمزارعين بالتعاون مع الجمعيات الفلسطينية الثلاثة، على حد قوله.

وفي شأن المعبر، قال غبن: "بحسب علمنا الفاو لا تتدخل في التنسيق مع الاحتلال من أجل فتح المعبر لتصدير المنتجات في حال إغلاقه، لكن الهولنديين شركاء الفاو في المشروع قد يتدخلون أحياناً لترميم وتطوير المعبر من أجهزة ومعدات لتسهيل عبور البضائع، وهذا في النهاية يعود بالنفع أيضًا على الإسرائيليين".

وأكد أن الجمعيات الفلسطينية هي من تقوم بعملية تنسيق مرور البضائع عبر المعبر مع الجانب الإسرائيلي من خلال الشركات الإسرائيلية، لافتاً إلى أن السلطة الفلسطينية لا تقوم بهذا الدور أيضًا.

منظمة الأمم المتحدة "الفاو".. إجابات ضبابية

الجدير بالذكر أن المزارع الخاصة بالتصدير مدعومة من قبل منظمة الأغدية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، والتي تعتبر "إسرائيل" في قرارتها دولة احتلال وفق قرار 242، فكيف تساهم بهذا الشكل في الدعم الذي من شأنه يعود بالربح الأكبر على الاحتلال؟ ولم لا يكون الدعم بترتيب وبشكل آخر بعيدًا عن استفادة الاحتلال؟

يقول عزام الصالح مدير البرامج في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لـ"الجديد الفلسطيني": " نحن كمنظمة أمم متحدة متخصصة مجال الأغذية والزراعة نركز عملنا على بناء القدرات للمزارعين والجمعيات في غزة للإنتاج المستدام لتلبية احتياجات السوق المحلي والتصدير، نساعدهم في إيجاد الأسواق، نلبي احتياجات بناء القدرات في السلامة الغذائية وهي متطلب للتصدير وحق للمستهلك".

وحول إذا ما كان هذا النشاط والدعم قد يذهب بشكل غير مباشر لصالح الطرف الإسرائيلي كونه الأكثر ربحًا من هذه المشاريع الزراعية التصديرية كالفراولة.

أجاب الصالح، بأن جل ما تقوم "الفاو" بتقديمه لدعم المزارعين يتم شراؤه ضمن عطاءات يتم طرحها في السوق المحلي، وهي آلية تتبعها" الفاو" وفق أنظمتها وقوانينها، والتي تساهم أيضا في تنشيط القطاع الخاص في غزة والضفة.

وأضاف، أن "الفاو" تدعم الجمعيات والمزارعين والحكومة وجميع الشركاء، من أجل انتاج أفضل ومستدام للسوق المحلي ثم للسوق الخارجي وليس من صلاحياتها أن تتدخل في عمل القطاع الخاص بما في ذلك التسويق والتصدير، مؤكداً أن "الفاو" تعمل من أجل زيادة ربحية المزارع الفلسطيني ووصوله إلى الأسواق وتعزيز صموده واستدامة موارده.

هنا تتجلى نقطة هامة، أليس من الأفضل لـ"الفاو" أن تدعم إنشاء شركة فلسطينية من أجل التصدير والتسويق كي يعود بالربح الكامل على الفلسطيني؟ أجاب الصالح: "يوجد شركات تسويق فلسطينية ونحن نشجعها وندعمها أيضاً في الضفة الغربية"، علماً أن الشركات التسويق الموجودة في الضفة هي خاصة بتصدير وتسويق الزيتون والصابون والزعتر وغير مختصة في تصدير "الفراولة"، كما لا توجد شركات تصدير وتسويق في غزة.

أضاف في هذا الشأن: "نحن نشجع تلك الشركات وعلى استعداد لتقديم الدعم الفني وفق الامكانات المتاحة لنا من أجل تحسين وصولها الى الأسواق، لست على علم بوجود شركات متخصصة بتصدير الفراولة، ونحن نأمل أن يكون هناك المزيد من النماذج الناجحة في غزة والضفة أيضًا".

وفسر مدير البرامج "بأن "الفاو" هي منظمة أمم متحدة متخصصة في تحسين الأمن الغذائي والتنمية الزراعية على مستوى العالم والمساهمة بشكل فاعل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وخاصة الهدف الثاني وهو القضاء على الجوع، لافتاً إلى أن "الفاو" لا تتدخل في إنشاء شركات ربحية فهذا من شأن القطاع الخاص.

لكن طالما منظمة "الفاو" لا تدعم إنشاء شركات كونها قطاعًا خاصًا، فكيف تدعم المزارعين كونهم قطاعاً خاصًا؟

قال الصالح: "نحن نعطي أولوية في برامجنا لدعم المزارعين والمزارعات وخاصة الصغار منهم وجمعياتهم وهم في هذا المفهوم قطاع خاص، ونشجع كذلك بناء الشراكات مع القطاع الخاص والعام لما فيه مصلحة الجميع ".

وهنا تأتي جملة أسئلة:

- لماذا لا تدعم "الفاو" المزارع بفكرة أو بآلية تسويقية تعود له بالربح الكامل طالما لا تتدخل في إنشاء شركات تسويق؟

- أجاب مدير البرامج :"ونحن نعمل على ذلك بالضبط".

- لكن شركات إسرائيلية هي من تسوق ؟

- قال الصالح:" لا يوجد لدينا معلومات دقيقة حول ذلك، نحن لا نملك صلاحيات ان نتدخل بآليات التسويق، فهذا يخص المزارعين والجمعيات والشركات انفسهم وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها "

إجابات تبدو غير شافية وضبابية بعض الشيء، الأمر الذي دفعنا لتكرار السؤال بشكل مباشر وصريح كون أن "الفاو" تتبع منظمة أمم متحدة تستند إلى مواثيق دولية وقوانين أقرتها كما القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، التي تناهض الاحتلال وعليها مسؤوليات بذلك، فهل يرى "الصالح " بأن المنظمة بهذا الشكل من الدعم يعود بالربح على الاحتلال كونه هو الرابح الأكبر فعليًا من بيع "الفراولة" بحسب، المعطيات المقدمة لنا؟

أجاب الصالح: " لا أرى ذلك فيما يخص المساعدات التي تقدمها الفاو، فكل ما نقدمه يذهب مباشرة للمزارع الفلسطيني وجمعياته ومؤسساته كما أشرت مسبقا ".

مشاريع وطنية تسويقية لم ترَ النور بعد

من ناحية أخرى، وفي دور ربما يعد الأبرز في تنظيم تلك العملية وفق ما ترتبط مع المصلحة الفلسطينية بحسب القوانين المنصوص عليها، وجهنا أسئلتنا إلى وزارة الزراعة الفلسطينية برام الله وطرحنا عليهم واقع تجارة "الفراولة" التصديرية والشكل التي تمر فيه من خلال شركات إسرائيلية لها المنفعة الأكثر من تلك التجارة وما دور وزارة الزراعة في تلك المسألة

طارق أبو اللبن مدير التسويق في وزارة الزراعة برام الله قال لـ"الجديد الفلسطيني": "إن الوزارة تسعى جاهدة لأن تصب تلك المشاريع التصديرية بالربح المادي الكامل على المزارع الفلسطيني، حيث تم إقرار وجارِ العمل على إنشاء شركة تسويق زراعي فلسطينية أردنية مشتركة بهدف تصدير المنتجات الزراعية بما فيها الفراولة لجميع الأسواق التي تعطي ميزة تفضيلية للمنتجات الزراعية الفلسطينية".

وبيّن أن الوزارة تسعى من خلال هذه الشركة ثنائية الوطنية، أن تتم فيها الرقابة على سلسلة الانتاج من حيث جودتها وسلامتها، ولا يقل هذا الموضوع على أن تكون الهوامش التسويقية كافة من باب المزرعة إلى المستهلك تخدم الاقتصاد الوطني الفلسطيني بشكل كلي والاقتصاد الزراعي والمزارع بشكل أساسي.

ومن خلال بحث "الجديد الفلسطيني" تبين أن هذا المشروع أُعلن عنه قبل عام ونصف ولم يرَ النور بعد، كما أن صندوق الاستثمار الفلسطيني نشر في تاريخ غير محدد على موقعه الالكتروني مشروعاً يُجهز له ضمن مشاريعه الاستراتيجية يحاكي المشروع المعلن عنه من قبل وزارة الزراعة برام الله.

وأشار أبو اللبن إلى أن شركة فلسطينية تسويقية سابقة تعاملت مع المنتج الفراولة بشكل أساسي للتصدير، لكن هناك معيقات لها علاقة بالعلاقة المباشرة ما بين المزارعين فرادا أو حتى التجار الذين نشأوا في الفترة السابقة في هذا القطاع الخاص والتي كانت غير مشجعة باستمرار عمل الشركة، وفق قوله.

وفي سؤالنا حول إذا ما كان هناك دور للسلطة بالتنسيق مع سلطات الاحتلال لتسهيل مرور المحاصيل الزراعية التصديرية كـ"الفراولة" إذا ما واجهت معيقات على المعبر التجاري الوحيد "كرم أبوسالم" في وقت سابق،قال مدير التسويق: "في حال وجود معيقات لفتح معبر "كرم أبو سالم" التجاري يأتي هنا دور الشؤون المدنية بالشراكة مع منسقين من وزارة الزراعة من أجل التنسيق مع الاحتلال لعبور تلك المحاصيل الخاصة بالتصدير إلى أوروبا"، مشيراً إلى أنه لم يسمع إذا ما كان هناك تدخل من قبل الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي للتنسيق مع الاحتلال لتسهيل عبور تلك المحاصيل، في سؤال آخر وجه له.

واستطرد أنه من حق الفلسطيني استخدام المرافق الإسرائيلية كالمطارات والموانئ، والذي كان حاصلاً خلال السنوات الثلاثين الماضية ،حيث وصلت في تلك الفترة صادرات الفراولة إلى 2500 طن وهو رقم ضخم غير مسبوق، بالإضافة إلى تصدير القرنفل والزهور، لكن تم هذا عندما كانت "إسرائيل" تحترم الاتفاقيات التجارية في وقت ما، مؤكداً أن الاحتلال لا يزال يتنكر لجميع الاتفاقيات التي تصب في الصالح الفلسطيني.

ولفت أبو اللبن في سياق آخر، أن العمل في المحافظات الجنوبية ليس دائما تحت رقابة عمل وزارة الزراعة بحكم الوضع القائم، في إشارة منه إلى "الانقسام الفلسطيني"

الجدير ذكره في هذا التحقيق أن هناك من الزراعات التصديرية غير "الفراولة" واختفت كزراعة الزهور، بسبب ظروف الحصار الإسرائيلي وبقيت الفراولة على رأس الزراعات التصديرية من قطاع غزة.

إدانة بالتقصير

بدوره علق م. كامل مسلم عضو حملة المقاطعة الفلسطينية في حديثه لـ "الجديد الفلسطيني"، على أن هذا الملف يقاس وفق معيار "حساسية السياق" وهو أحد معايير المقاطعة، بمعنى أنه إذا كان لا يمكن تصدير تلك المنتجات إلا عن طريق شركات إسرائيلية لا مشكلة في ذلك ولكن بكميات محدودة تكفي حاجته، موضحاً أن هذا المعيار للفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال فقط.

وبين مسلم أنه وطالما يوجد بوادر وقدرة من قبل وزارة الزراعة الفلسطينية لإنشاء شركات تسويق وتصدير فلسطينية، فإنه يعد "تقصيراً كبيراً وتخاذلاً في دعم المنتج الوطني وتسويقه عالمياً" وهذا يعود بالسلب على الاقتصاد الوطني ومشكلة يجب أن تتحرك الغرف التجارية والجهات المعنية من أجلها، لأن هذا الشكل من التصدير غير صحيح، معللاً أن الإسرائيلي قد يستغل المنتج الفلسطيني لمواجهة المقاطعة لبضائعه في السوق الأوروبية من خلال علامة فلسطين التجارية والذي يحرص دائمًا على أن يتربح أضعاف الفلسطيني، بالإضافة إلى أنه قد يسوق لنفسه الديموقراطية والتسامح والسلام أمام الحكومات الأوروبية من خلال تلك العملية التصديرية، على حد قوله.

كما وجه نداءه إلى منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة الأخذ باعتبارات المواثيق التي شرعتها لمناهضة الاحتلال والعمل لدعم المزارع الفلسطيني من خلال إنشاء شركة فلسطينية للتصدير والتسويق بعيداً عن الاحتلال، كي تعود على المزارع بالربح الكامل.

وأردف مسلم: " يفترض أن تكون هذه مهمة السلطة الوطنية بإنشاء تلك الشركات وتوجيه المنظمات كـ"الفاو" لدعمها".

ختاماً وفي ضوء ما تم كشفه، وأمام مشاريع زراعية تكون محصلتها لصالح الجانب الإسرائيلي كونه الأكثر ربحًا منها، وأمام ضبابية رواية المنظمة الأممية "الفاو" حول تعاملهم مع آلية التسويق والتصدير، وفي ظل عدم خروج مشاريع حكومية تسويقية للنور حتى اليوم، بالإضافة إلى احتلال جاثم على كل ما هو تنموي لصالح الفلسطيني، يبقى المزارع على حافة الجرف ما بين الموت والحياة تحت رحمة الاحتلال، فهل سيبقى الصمت الدولي مستمر أمام عذابات واستغلال الفلسطيني وموارده أرضًا وشعبًا؟

60321498_613627592446494_1822963589925830656_n.jpg
60290811_393986877998356_5191636173960773632_n.jpg
60068417_609099086226390_5321791086237057024_n.jpg
60035541_372481993364418_7417977642013425664_n.png
59918329_421381498653698_1715907703257169920_n.jpg
59837396_608965266270942_4830837635238854656_n.jpg
59813136_1193628934145323_5537032298534273024_n.jpg