فيصل-القاسم.jpg
فيصل-القاسم.jpg

ماذا بقي من الإسلام الذي تاجروا وتلاعبوا به لعقود وعقود؟

د.فيصل القاسم

هل هناك نوع واحد من الإسلام يا ترى يؤمن به كل المسلمين، أم إن كل نظام يخترع الإسلام الذي يريد خدمة لرغباته وأهدافه ومصالحه السياسية؟ فقط انظروا إلى نوعية المفتين الذين تعينهم أجهزة المخابرات وترعاهم فستجدون أن هذا المفتي أو ذاك لا علاقة له بالدين مطلقاً بقدر ما هو موظف أمني بلباس ديني يروج للمقولات والأفكار التي يستخدمها هذا النظام أو ذاك للسيطرة على الشعب وتطويعه وسوقه في الاتجاه الذي يريد. لدينا في سوريا مفت مثلاً اعتاد على المبالغة في الانفتاح والتحرر وحتى العلمانية، طبعاً ليس لأنه منفتح ومتحرر وعلماني، بل لأن النظام الحاكم يريد أن يرسل رسالة للعالم بأنه «سبور» في نظرته إلى الدين. ولطالما زايد المفتي على العلمانيين المتطرفين أحياناً في نظرته إلى الإسلام إلى حد يجعل علمانيين من نوعية نضال نعيسة ونبيل فياض ليبراليين.

لقد قال أحمد حسون ذات يوم حينما التقى وفداً أكاديمياً أمريكياً من جامعة جورج ميسون يرأسه البروفيسور والناشط مارك غوبن رئيس المركز العالمي للأديان والدبلوماسية وفض النزاعات بواشنطن: «لو طلب مني النبي محمد أن أكفر بالمسيحية واليهودية لكفرت بمحمد». والرسالة طبعاً رسالة سياسية لا علاقة لها بالدين، والهدف منها مفضوح ألا وهو النفاق للغرب والظهور بمظهر العلماني المُداهن لإسرائيل وأمريكا والمحافظ على الأقليات ضد المسلمين. وهي رسالة يتاجر بها النظام السوري منذ تأسيسه، مع العلم أنه يستخدم الأقليات لضربهم بالأكثرية. وقد ظهر ذلك جلياً أثناء الثورة حيث كان يحرض الأقليات على المسلمين ليظهر هو بمظهر حامي الأقليات، مع العلم أن أكثر من أساء للأقليات في سوريا في تاريخها هو هذا النظام العبثي الطائفي. وأكبر دليل على ذلك أنه أرسل الدواعش إلى مناطق الدروز في السويداء ليقتلوا منهم المئات ذبحاً بعد أن امتنع الدروز عن الانخراط في جيشه لقتل السوريين.

وفي مناسبة أخرى قال مفتي النظام السوري في مؤتمر أوروبي أمام حشد كبير من المسؤولين الدينيين من مختلف بقاع العالم إنه يعتبر أرض إسرائيل أرضاً مباركة، ولم يذكر فلسطين مطلقاً. لا بل إنه خاطب الحاضرين بكلمة «شالوم». كيف إذاً نريد من الجيل الصاعد أن يثق برجال الدين المشعوذين الذين يعملون بأوامر سياسية مخابراتية وليس لنشر الدين الصحيح؟

انظروا كيف انقلبت السعودية على تراثها وتاريخها الديني مائة وثمانين درجة. انظروا أين أصبح رجال الدين والدعاة الذين لم يبصموا على الدين الجديد الذي يرد نشره ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. إما أنهم في السجون والمعتقلات ويواجهون حكم الإعدام، أو أنهم في المنافي. أما بقية الدعاة والدجالين فقد انقلبوا على كل ما قالوه في الماضي، وعلى رأسهم طبعاً عايض القرني الذي خرج على التلفزيون ليتبرأ من كل فتاويه ومقولاته وأفكاره القديمة التي كما هو واضح لم يكن مقتنعاً بها، بل كان ينشرها بناء على تعليمات النظام الذي كان في الماضي يحتاج إلى إسلام جهادي متطرف بناء على رغبة السيد الأمريكي. وقد اعترف بن سلمان بعظمة لسانه بأن بلاده بريئة من الوهابية، وأن الإسلام المتطرف الذي مارسته السعودية على مدى العقود الماضية كان بطلب أمريكي لمواجهة الاتحاد السوفياتي بالمجاهدين والمتطرفين الإسلاميين. وقد شاهدنا كيف استخدموا الجهاديين في أفغانستان ضد السوفيات، وعندما انتهى دورهم ساقوهم كالأنعام في أقفاص إلى معتقل غوانتنامو.

ماذا يقول العهد السعودي الجديد لملايين السعوديين الذين تتلمذوا على أيدي الدعاة الذين يعتبرهم الآن إرهابيين متطرفين ويزجهم بالسجون؟ ألا ترون أنه يروج الآن لنوع منفلت تماماً من الإسلام ينقض تماماً الإسلام الذي ساد المملكة على مدى عقود مضت؟ لا بل إن النغمة الجديدة تناقض الدين كلياً، فالتركيز قائم الآن بالدرجة الأولى على الترفيه والتمييع والاستهلاك والرقص والاستمتاع. لا عجب إذاً أن حلت هيئة الترفيه والرقص محل ما كان يسمى بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي في الواقع لم تكن سوى جهاز قمع أمني مفضوح ليس هدفه حماية الدين بل حماية النظام وترويع الشعب بالسياط الدينية القذرة. طبعاً لا عيب مطلقاً في كنس رجال الطين وتخليص الشعوب من رجسهم ودجلهم، ولا عيب في تحرير الشعوب من قبضة المؤسسات الدينية المخابراتية، لكن كيف تستطيعون الآن إقناع الشباب بأن يكونوا مؤمنين؟

كيف تريدون من الأجيال الصاعدة أن تؤمن بالدين بعدما شاهدت كيف تستخدمه الأنظمة للترويض والتطويع والتجارة، ثم تقوم بتغييره أو تعديله وتحريفه وتشويهه حسب الظروف والمصالح؟ لا عجب أن أكبر نسبة إلحاد في العالم الإسلامي موجودة الآن في بلاد الحرمين بعد أن ضاق الشباب ذرعاً بلعبة المتاجرة بالدين واستخدامه لأغراض سياسية وعسكرية مفضوحة وسافلة.

[email protected]