التقاط.JPG
التقاط.JPG

بين نار تشتت العائلة ومصير الابن..

بالصور والفيديو.. والد المفقود صالح حمد يتحدث لأول مرة عن تفاصيل فقدان نجله

خاص الجديد الفلسطيني-ريما السويسي

لم تكد مأساة عائلة السلطان جراء وفاة ابنهم تامر، الضحية الأحدث لكابوس الهجرة الذي أصبح متمرساً في القضاء على أبناء غزة المهاجرين، تهدأ حتى أفاق القطاع يوم الثلاثاء الماضي على فاجعة أخرى لا تقل مأساويةً وغموض إذ قطع الاتصال بأحد أبناء غزة المهاجرين (صالح حمد) في البوسنة والهرسك وسط روايات متضاربة حول حيثيات الفقدان.   

متنقلاً بين لهفته للرد على اتصال جاءه عبر المحمول مع أحد أصدقاء صالح في الخارج وبين مذياع صغير تجتمع عليه العائلة على أمل أن تسمع خبر قد يطفئ نار اللوعة المتقدة في قلوبهم جراء فقدان الاتصال بابنهم في الغربة، يجلس والد صالح مكتوف الأيدي في صحن بيته الواقع في منطقة بيت حانون شمال قطاع غزة.

 بعيونه التي افترشتها الحمرة من شدة البكاء على فلذة كبده والتي سكنتها الحيرة جراء ما حدث لصالح (22 عاماً)، يسرد كمال حمد (45 عاماً) والد المفقود صالح لمراسلة "الجديد الفلسطيني" ملابسات فقدان صالح خاصةً وأنه كان قد غادر القطاع مع العائلة (باستثناء الوالد والابن الأصغر) في أكتوبر الماضي فيقول ""فقدنا الاتصال بصالح يوم الثلاثاء الماضي الساعة العاشرة صباحاً".

خارطة طريق الموت

ويتحدث حول خارطة طريق صالح وكيف وصل إلى نهر دارينا (الذي تتحدث الروايات عن احتمال غرقه هناك) قائلاً "قرر صالح برفقة العائلة مغادرة القطاع بعد الأوضاع الاقتصادية السيئة التي أضحى يعاني منها كل فرد في قطاع غزة خروجاً من معبر رفح البري ومنه إلى مصر ومنها إلى تركيا حيث بقى هناك لمدة أسبوع بينما أكملت العائلة المهاجرة والتي تتكون من عشرة أفراد (ثمانية منهم قد غادروا معاً عدا الوالد المتواجد حالياً في غزة) طريقها إلى اليونان على أمل أن يلحق بهم صالح وقد وصلوا إلى جزيرة "ساموس" وبعدها تمكن صالح من اللحاق بهم ولكن إلى أثينا مباشرةً في اليونان وليس إلى الجزيرة التي تتواجد فيها أسرته حيث مخيم اللجوء هناك".

"مكث صالح هناك شهرين من الزمن في انتظار أن تنهي عائلته المتواجدة في مخيم اللجوء إجراءات المكوث هناك في الجزيرة وحين لم تتمكن العائلة من استكمال إجراءاتها لأن كل من إخوة صالح (ضياء وبيسان) لم يحصلوا بعد على تصريح إقامة، قرر صالح حينها وبسبب هذا التأخير التحرك نحو بلجيكا وهو الأمر الذي رفضته في البداية ولكن مع تصميم صالح خضعت لرغبته ووافقت"، وفقاً لحديثه.  

خرج صالح من اليونان وصولاً إلى نهر دارينا (الفاصل بين البوسنة والهرسك) يوم الثلاثاء الماضي حيث فُقد مع مجموعة شبان من غزة ومعهم شاب سوري الجنسية وعائلة يمنية حين قرروا قطع النهر بين البوسنة والهرسك إذ باغتهم تيار، بشكل مفاجئ وجرفهم وهم في طريقهم للحصول على قارب من أجل العائلة اليمنية وكان صالح هو أول من اكتشف وجود التيار بل وحذر منه.

يقول حمد "النتيجة أنهم جميعاً فقدوا لكن الشبان الذين كانوا معه وجدوا في حالة صحية سيئة بعدما أفاقوا من حالة فقدان الوعي التي أصابتهم لكن ابني لم يعثروا عليه في النهر وحينها أخبروا الإسعاف بأن هناك شخص مفقود وحين لم يجدوا له أثر قاموا بإبلاغ الشرطة والحكومة والسفارة حيث لا جديد حتى الآن".

ويضيف "نحن نعيش على أمل أن الجثة غير موجودة مما يبعد خيار الغرق أتمنى أن يكون ابني حياً في أحد المناطق والغابات".

يذكر أن هناك تواصل من طرف العائلة مع الحكومة البوسنية والصربية بالإضافة إلى تواصل عبر الجاليات الفلسطينية في الخارج في أن يتم تكثيف البحث بجهد أكبر من أجل العثور على صالح ابن غزة أو معرفة مصيره على أقل تقدير.  

وحول الأسباب التي دفعت هذه العائلة من بيت حانون للهجرة يقول حمد "سبب الهجرة هو الوضع الاقتصادي المزري الذي نعيشه هنا في غزة فأولادي تخرجوا من الجامعات ولكنهم بقوا بلا عمل وأنا موظف 2005 ولم يتبق من راتبي سوى 100 شيقل الأمر الذي قادني مؤخراً إلى التفكير والتساؤل إلى متى سيبقى الوضع على هذا الحال! فكانت الهجرة خيارنا الوحيد".

ويكمل "ولذلك وفي ظل عدم تمكني من الوفاء بالتزامات عائلتي اليومية قررنا الهجرة أملاً في مستقبل وحياة أفضل فقمت ببيع بيتي لأستطيع توفير تكاليف السفر والهجرة عبر التهريب حيث كنت أدفع 3 آلاف دولار في كل مرة يتنقل فيها أفراد عائلتي من مكان إلى مكان وأنا حالياً أقيم لدى بيت أهلي"، وفقاً لحديثه.

69162109_833635803703804_9002812418094530560_n.jpg
 

يذكر أن الوالد أيضاً ينتظر إجراءات السفر لينضم هو الآخر لعائلته التي تتواجد حالياً في مخيم اللجوء في جزيرة "ساموس".

بين مطرقة البعد وسنديان فقدان الولد

هذا ويعيش الوالد حالياً تشتتاً مرهقاُ في التفكير وحالة نفسية صعبة حيث أسرته التي تمكث في وضع سيء في مخيم اللجوء وبين قلبه المنفطر على ابنه صالح والذي لا يعلم عن مصيره شيء ويقول "أنا على تواصل لحظي ويومي مع زوجتي وهي بدورها على تواصل مع الشاب الغزي الذي كان يتواجد مع صالح عندما غرق في نهر اليونان والذي لم يترك المكان من وقت الحادث حتى الآن أملاً وبحثاُ عن صديق دربه.

69302254_2417597545232360_6583958322423005184_n.jpg
 

ويشكو حمد الحال الذي آل إليه نتيجة ما حدث بالقول: "زوجتي وأولادي حالياً في مأوى لجوء بعدما تم استقبالهم من قبل فرق الغفر اليونانية بمجرد نزولهم ووصولهم إلى اليونان حيث تم التحقيق معهم على مدار ليلتين داخل السجن ومن ثم تم أخذهم إلى أقرب جزيرة وصلوا لها وأخدوا معلومات وافية عنهم في جزيرة "ساموس" بالإضافة إلى أنه تم تقييدهم في المكان إلى حين بدأ إجراءات التقيد بالمكان وصولاً إلى أن يصبح وجودهم شرعي".

ويؤكد "بأن هذه الجزيرة من أسوأ الجزر من ناحية الأوضاع الاقتصادية حيث يعيش كل خمس أشخاص في كامب (مخيم) تبلغ مساحته 2 متر طولاً وعرضاً فأسرتي تعيش في مساحة لا تتعدى الثلاثة أمتار ويعانوا من مشاكل في الطعام حيث أن الطعام هناك يحوي أشياء غير حلال فلا يأكلوا سوى اللبن والعصير والماء".

يقول "حدث لزوجتي تسمم في الأكل قبل فترة بسيطة ومكثت 3 أيام في المستشفى نتيجة الإصابة بهذا التسمم الغذائي".

ويضيف بحسرة "رغم ذلك همي الآن هو صالح ومعرفة مصيره كي أرتاح ويرتاح تفكيري فأنا منذ خبر انقطاع الاتصال معه لا آكل ولا أنام".  

يذكر أن صالح قد أنهى دراسة صيانة الكمبيوتر من وكالة الغوث في غزة وعمل بعدها في مجال الاتصالات ومن ثم في مخبز وكان قد خضع لأكثر من عملية في عينه بسبب مشكلة في القرنية أدت إلى استئصالها وهو في سن السابعة.

ويتوجه حمد إلى الرئيس عباس ودولة رئيس الوزراء محمد شتيه ووزارة الخارجية الفلسطينية في مناشدة إنسانية مفادها "تكثيف التواصل مع الحكومة الصربية والبوسنية من أجل معرفة مصير الشاب صالح".

ويحمل حمد الانقسام المسؤولية عما تعاني عائلات قطاع غزة من أحوال اقتصادية خانقة الأمر الذي دفعهم للتفكير بالهجرة.

إذاً هو حال أهالي قطاع غزة حيث لم تعد الهجرة حلاً فردياُ لمأساة بل أضحت حلاً جماعياً إذ غادرت وما تزال عائلات بأكملها هرباً من جحيم الحياة في غزة وبحثاُ عن حياة أفضل ولكن الأفضل ليس مضموناً بعد المخاطر التي أصبحت تشوب هذه الهجرة والتي قتلت الكثير من الشبان الغزيين إما غرقاً في قوارب الموت أو موتاً في ظروف غامضة، فإلى متى؟