thumb.jpg
thumb.jpg

قيس سعيّد.. نجم الانتخابات التونسية

بقلم / عبير بشير
شكّلت الانتخابات التونسية - الجولة الأولى - مفاجأة من العيار الثقيل، هزت أعمدة السلطة في قصر قرطاج، وكهنة السياسة التونسيين، بصعود مرشحَين من خارج صندوق التوقعات السياسية إلى الدور الثاني، وهما: أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد، ورجل الأعمال المتهم بتبييض الأموال والتهرب الضريبي نبيل القروي، والذي خاض الانتخابات من خلف القضبان، متفوقَين على منافسين من الوزن الثقيل، كرئيس الوزراء يوسف الشاهد، ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، والرئيس السابق المنصف المرزوقي.

ويبدو أن الناخب التونسي صوت بشكل عقابي ضد رموز وقوى في المشهد السياسي التونسي، ولم ينج تيار الإسلام السياسي من ذلك، ممثلاً بتقهقر مرشح حزب النهضة عبد الفتاح مورو إلى المرتبة الثالثة.
وبات من الواضح أن المؤسسة السياسية التونسية التي حكمت البلاد في سنوات ما بعد ثورة 2011، بقطبيها البورقيبي، والإسلامي، تواجه عقوبة انتخابية صادمة وقاسية للبعض، ومحرجة للبعض الآخر، عليها تداركها في الانتخابات البرلمانية القادمة.
فرغم الزخم الثوري الكبير لانتفاضة الياسمين، حافظ جزء كبير من منظومة نظام زين العابدين بن علي – الذي وافته المنية، رحمه الله - على نفوذه، ومراكز قواه، من خلال عودة فؤاد المبزغ، والراحل قايد السبسي. ولم يشعر المواطن التونسي، بتغير حقيقي في وضعه الاقتصادي والاجتماعي، بل على عكس ذلك، غابت التنمية، والعدالة الاجتماعية، وزادت نسبة الفقر والفئات المهشمة، وتفشت المحسوبية، وسط مناخ من الإحباط، وفقدان الثقة بالمنظومة الحاكمة والمعارضة على حد سواء، وساعد ذلك على ظهور "ألأنتي - سيستم".
هذه الحالة، ترجمت نفسها، على شكل تفوق، قيس سعيّد، الأكاديمي، المغمور خارج تونس، والذي عمل دون ماكينة انتخابية، باستثناء من أسماهم المتطوعين، ودون دعم مؤسسي. قالت عنه استطلاعات رأي مبكرة: إنه محافظ ومستقل ولا يمتلك حزاماً حزبياً، ولا فرصة لديه للفوز، ثم حقق قفزات مدهشة في استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات، وكانت المفاجأة أنه أتى في المرتبة الأولى، وتفوق على منافسين من العيار الثقيل كالشاهد والزبيدي، عبر تصويت شريحة واسعة من الشباب والمتعلمين له.
قيس سعيّد، الذي اتخذ من شعار "الشعب يريد" رمزاً لحملته الانتخابية، وهو أبرز شعارات ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، أثبت أن ثورة الياسمين بمعناها النقي ما زالت تجذب الناس. وينتمي سعيّد، الذي يتحدث الفصحى دائماً، للطبقة المتوسطة على عكس أغلب الطبقة السياسية، ويقود سيارته القديمة. وبينما أنفق مرشحون ملايين الدولارات، على حملاتهم الانتخابية، خاض سعيّد الحملة الانتخابية بتقشف، فلا مهرجانات، ولا أموال، سوى تبرعات متواضعة من متطوعين يدعمونه ورفض دعم الدولة الموجه للحملة الانتخابية، وغاب عن التلفزيون والإذاعة في الأشهر الأخيرة، وهو الذي عرفه التونسيون بعد ثورة 2011 كمحلل يجيد تأويل القانون الدستوري بلغته العربية الفصيحة.
ويرى مختصون، في الاتصال السياسي وعلم الاجتماع، أن نجاح الدكتور سعيّد لدى جمهور الشباب، يعود إلى صورته الناصعة، ويده النظيفة، ووفائه للثورة وزهده وأصالته، ورفضه تقديم وعود زائفة كغيره من المرشحين. ولفهم الخليط الكيميائي لجاذبيته لدى الشباب، فهو ناتج عن مزيج يساري وراديكالي فيه نزعة إسلامية عربية. كما كسب ثقة قطاع من الناخبين، بسبب نزعته المحافظة الرافضة للمساواة بالميراث بين الذكور والإناث، ورفضه الإعدام، علاوة على عزمه تكريس الحكم المحلي بتعديل الدستور.
ويتشابه نبيل القروي، عملاق الإعلام، ومؤسس قناة "نسمة" التلفزيونية، الذي حل في المرتبة الثانية، مع قيس سعيّد، في أن كليهما جاءا من خارج المؤسسة السياسية التونسية التقليدية، لكنهما يختلفان من حيث الإمكانات والثراء المالي.
القروي الذي مارس العمل الخيري في تونس على نطاق واسع عبر جمعيته "خليل تونس"، رأى التونسيين فيه منقذاً اجتماعياً، وغطى مساحات تركتها الدولة، وأعطت زيارة القروي لـ 12 ولاية، والتقاؤه بنحو مليوني تونسي في مناطق من أحزمة الفقر، غطتها قنواته الإعلامية، رافعة للتقدم على منافسين كبار، وكانت أعلى النسب التي حصل عليها القروي في المناطق الفقيرة من البلاد، مثل الشمال الغربي والوسط الغربي.
ويبدو أن نتائج الانتخابات التونسية لم تخرج بعيداً عن الحالة الدولية، والتي شهدت حالة من التمرد الشعبي على قواعد السياسة التقليدية، وتميزت بصعود التيارات الشعبوية وكسر للصورة النمطية للرئيس - رئيس تونسي محتمل مجهول نسبياً ولا يحب البهرجة، وهو الحقوقي سعيّد، ورئيس محتمل خاض حملته الانتخابية من داخل السجن وهو نبيل القروي.
ومع وفاة الباجي قايد السبسي، أضيف إلى الساحة السياسية في تونس مكان شاغر جديد: مكان والد الأمة، الحارس لاستقرار الدولة. وفي حين كان الباجي قائد السبسي حتى أيامه الأخيرة موضع الانتقاد الشديد إلا أن الرئيس الراحل الذي تتلمذ على أيدي الحبيب بورقيبة كان آخر العنقود من بين مؤسسي الدولة المدنية المستقلة.
الآن تواجه تونس، وهي الدولة التي شهدت أول موجات الربيع العربي، بداية لمرحلة ضبابية، سواء في حال فوز قيس سعيّد الذي لا يملك مشروعاً واضحاً وناصع النقاء، والتي سارعت حركة النهضة بإعلانها عن تأييده في الدورة الرئاسية الثانية، أو نبيل القروي، الذي يتهمه القضاء بغسل أموال، ولا يزال رهن التحقيق بسببها.