76702332_760780607719270_7861372915848052736_n.jpg
76702332_760780607719270_7861372915848052736_n.jpg

فرقة صول باند ( إحياء الفن الوطني والهوس الديني)..

أحمد المدهون

الفنُّ هو الّلغة التي استَخدمها الإنسان ليعبّر عمّا يجولُ في ذاته الجوهريّة وليس تعبيراً عن حاجة الإنسان لمتطلبات حياته رغم أن بعض العلماء يعتبرون الفن ضرورة حياتية للإنسان كالماء والطعام، وهو موهبةٌ ومَلَكةٌ وهبها الله للنّاس بدرجاتٍ مختلفة، ومع ذلك لا نستطيع أن نصِفَ كلّ النّاس بالفنانين إلاّ أولئك الموهوبين الذين فاقوا غيرهم وتميّزوا عنهم، ويتّصف الفنّ بالواقعيّة، والموضوعيّة، والنسبويّة.

على ضوء انتشار مقاطع لفرقة صول الوطنية في قطاع غزة، هكذا بدأت فتوى أحدهم بالتحريض : "تنتهك حرمات الله، وتُشجع على المآثم، وتُميع الشباب" ، أما الفقر والبطالة والهجرة يا مولانا فيجعلون الشباب عماد الوطن.

بدايةً لي تحفظ على العقلية الإفتائية التي يكون أعلى اهتماماتها المرأة والموسيقى والشيطان، وقد أحيل ذلك إلى تكوينات نفسية معينة.

المهم.. كلنا شاهدنا الفيديو الجميل لهذه الفرقة التي تسمى فرقة صول بل الكثير منا نشره على صفحاته كإعجاب يُعلي القيمة الوطنية، ويجيش المشاعر في ضوء ما نحياه من مآسي.

 

لاحظت من حينها صراخ لبعض معاتيه السلفية، وبدأو الإستناد لشيوخهم وكبرائهم، فكتب أحدهم :(فرقةُ #صول الغنائيّةُ، التي تجُوب قطاعَ غزّة مِن شَمالِه إلى جنوبِه، تنتهكُ حرماتِ اللهِ، بالتّرويجِ للتبرُّجِ والسفورِ، وتزيّنُ الاختلاطَ، وتدعُو بأفعالها إلى تمييعِ الشّباب، والتّشجيعِ على المأثمِ، وفعلها منكرٌ ظاهرٌ، ومنعُها واجبٌ في حقّ صاحبِ السّلطانِ). وفي سياق الفتوى أيضاً، واصل كتابته : (والتّساهلُ معهَا يفضِي إلى فسادٍ كبيرٍ، وشرٍّ مُستطيرٍ، وينتخُ عنهُ انحرافٌ سلوكيٌٌ وفكريٌّ لدى الشبابِ، وما كانت هذهِ الفرقةُ لتجاهِرَ بمخالفةِ موروثنا القيمي، وتعاليمِ الإسلامِ في مُجتمعِنا المحافظِ، لولا السّكوتِ أو الرضا عن أفعالِها من بعضِ الجهاتِ السياديّةِ.

ولا يجوزُ للعامّة ولا الخاصّةِ التّرويجُ لهُم، ولا الاجتماعُ عليِهم، ولا الاستماعُ لأغانيهِم، ولو كانت وطنيّةً، وليحذر الشبابُ من تقليدِهِم في فجورهِم وانحلالِهم، وحبُّ الأوطانِ لا يكونُ بالتّبرجِ والاختلاطِ المُحرّمِ.) انتهى نص الفتوى، نلاحظ تعدي واضح على القوانين، وتحريض مبطن يبعث على القلق والخوف.

وبالمناسبة قد أظهر أنني شديد النقد، لكن أقول أن العقل السلفي هو صحراوي التفكير إن أُتيحت له الفرصة والأرضية الخصبة، سيقوم بتكسير العود والتلفزيونات ويحارب الأقمار الصناعية.

وأمثال هذا المفتي،  لم يكن سوى ناقل لنصوص تراثية واردة، قام بتفنيدها العلماء منذ زمن بعيد، نظراً لعدم وضوح المعنى هذا من جانب، ومن جانب أخر أن فهم الصحابة للنص في حينها، يختلف عن فهمنا للنص الأن، ونحن غير ملزمون بالتقيد..

والمصيبة في هؤلاء ومن على شاكلتهم، تراهم يسرعون في اطلاق الفتاوي، وزلزلة المنابر بالخطابات النارية، لأي شيء يتعلق بالبدع والمرأة والأغاني ومعالم التكفير وتمجيد الأشخاص، بينما لا نراهم من الظلم الواقع والفقر والجوع ولا نراهم يقولون عن المحسوبية والرشوة، أو خدمة السلطان، ولا نرى موقفهم من التشدد والتطرف، الذي دمرَّ الأوطان.

تاريخياً.. الفلسفة والإنسجام مع الحضارات الأخرى مع الحفاظ على الهوية، ساهم في بناء الذات الحضارية، بينما المحاربة والإنزواء كان عامل من عوامل التخلف..

تستهويني أم كلثوم وفيروز و وردة الجزائرية، على شيخ يحفظ القراءن ويطلق فتاوي تكفير.

وسأضرب لكم مثال بالفتاة الفلسطينية الشهباء / ميس شلش، التي ما أن غنت أغنية جن جنونه يا جنين، وأشعر أن كل حواسي الوطنية تفعلت، وكلي ثأر من المحتل..

لذا لا بد من إعادة النظر في مستوى التساهل مع إطلاق الفتاوي، وقراءة الحركة التاريخية للفتاوي وتأثيرها على المجتمعات وانعكاسها الديني والثقافي..

ويجب الأخد بعين الإعتبار أنه /

1ـ ليس في تحريم الغناء نص صحيح صريح.

2ـ لا يحرم الله طيبا في الإسلام.

3ـ مراعاة أنواع الناس واتجاههم والفوارق بينهم.

4ـ مراعاة تحسين صورة الإسلام في أعين الآخرين.

وهذه النقاط قد قالها علماء، لكن الذي يسكنه شبح المغالاة سيحب التكفير والتحريم وكل شيء قبيح بإسم الله.

إن دور الإفتاء المفترض أن تحتوى على عقلية استنباطية تفهم متطلبات المجتمع، وتراعي الناس، فأفضل شيء تقدمونه أن لا تجعلوا أهوائكم وجهة نظر دينية.

وهذا ومن المعلوم أن غزة كانت بيئة متدينة معتدلة، ولكن مع مجيء التيارات الإسلامية والأيدولوجية السلفية، صدرت فتاوي القتل والإجرام، والمحاسبة على الإنتهاء الوطني والتوجه الديني، ومن جانب فإن العلاقة بين الثقافة والفن والدين علاقة حميمة تبني بعضها البعض.