«بيرزيت» 2020 مرآة لمجتمع مصاب بعجز

بقلم / عبد الناصر النجار
إغلاق جامعة بيرزيت بالجنازير مستمر والطلبة المعتصمون ينتظرون الوسطاء الكثر، والإدارة عاجزة عن الحل، ووساطات المخاتير تتواصل لإيجاد حلول ترضية، وحركة طلابية تابعة وليست قائدة تنتظر أن تأتي التعليمات من الأعلى، ونقصد هنا الكتل الطلابية كلها، ونقابة تبحث عن "فتحة" قد يتمكن الموظفون عبرها من دخول الجامعة!
اليوم نعود من جديد لحلول "المخترة" التي نجحت في المرات السابقة في إعادة فتح الجامعة وتخليصها من الجنازير دون أن تحل المشكلة.. بعد أن وضعت مزيداً من المرفوض تحت سجادة الإخفاء.
للأسف، فلسطين هي الوحيدة في العالم التي "تُجَنزر" فيها أبواب الجامعات.. قبل أسابيع جامعة الأزهر في غزة، واليوم تتكرر سيناريوهات سابقة في بيرزيت.
مشكلة بيرزيت تأتي في ظروف غاية في الصعوبة، فلا أحد يهتم بما يحصل فيها بعد أن أصبحت قضيتها مثل قصة الراعي والذئب، فعندما استصرخ الراعي مرات عدة لبى مجتمعه النداء ولكن في النهاية لم يلب أحد نداء الراعي والتهم الذئب القطيع.
في هذه المرة لم يلب الكثيرون نداءات بيرزيت، فهل من مدرك لحجم الخسارة الناجمة عن  الإغلاق، وما هي المكاسب المتوقعة إن كانت هناك مكاسب ذات قيمة، لأن الكل خاسر مهما كانت مكاسبه.
مرة أخرى لا بد من معالجة الأزمة من جذورها وفتح قنوات حوارية حول مختلف القضايا الخلافية المزمنة في الجامعات سواء المالية أو الحزبية أو المتعلقة بالحريات أو الدمقرطة .. وهذا يحتاج لمشاركة حركة طلابية قوية وفاعلة ومجتمع منفتح وليس أبوياً.. ارتدّ خلال العقد الأخير إلى حلول المخاتير وهم كثر في المستويات كلها من قمة الهرم إلى القاعدة.. وإلى معالجة تخرج برؤيا واضحة ومستنيرة لمفهوم التعليم الجامعي المبدع وليس القائم على التلقين حتى نخرج من الأزمات الجامعية بدستور أخلاقي ملزم أو على الأقل بوثيقة شرف تُحافظ بالحد الأدنى على جامعاتنا.. لننظر إلى دور الجامعات في العالم، فالعلماء هم من يخترعون ويطورون ويبنون.. فهل سنفتخر مستقبلاً بأبحاثنا العلمية واختراعاتنا أم سنظل نتذكر انتصارات عمليات الجنزرة، دون أن نعرف على ماذا كانت انتصاراتنا؟ وما هي نتائجها المستقبلية على مجتمع الجامعة والمجتمع الأكبر . 
نحن جميعاً نسير في دائرة مغلقة ونعتقد أننا نتحرك.. ولكنها حركة تائهة في غير وقتها.. فهل من مستمع واع. لا مشكك ولا مخون ولا فوضوي قادر على الانطلاق علمياً ونضالياً من أجل فلسطين المنكوبة يبني الجامعات منارات علم وبحث وتطوير.
عن بيرزيت كتبت كثيراً من المقالات وهنا فقرات من مقالين كتبتهما في العام 2012 والعام 2016 ..عندما أغلقت وجنزرت الجامعة.
أزمة «بيرزيت».. وصمت الأموات
2012-07-28
أسبوع مضى على إغلاق جامعة بيرزيت، وكأنّ شيئاً لم يحدث، لا حِراك مجتمعياً، ولا سلطوياً، ولا مؤسّساتياً.. للمرة الأولى منذ سنوات عديدة تهمّش الجامعة بهذه الطريقة، ويُترك قطبا الأزمة الحركة الطلابية وإدارة الجامعة في ميدان المواجهة دون أفقٍ لوجهات نظر متقاربة، أو مقترحات جدّية وحقيقيّة لحلّ الأزمة.
شخصياً، عاصرت أزمات الجامعة خلال السنوات العشر الأخيرة.. وكانت الأسباب في بعض منها أكثر خطورة من اليوم.. ولكن عندما كانت تبرز الأزمة كان هناك تدخل مجتمعي ومؤسّساتي يعمل على طرح البدائل والحلول وتقريب وجهات النظر، أو بمعنى آخر لنقُل محاولة إنزال الطرفين من أعلى الشجرة.
هذا الإنزال، أيضاً، يجب أن تتحمل جزءاً منه الحكومة والمجتمع. لا يمكن أن تظلّ أزمات الجامعات الفلسطينية كالباب الدوّار مع كل فصل هناك "طوشة .!
«بيرزيت»: انتهى الإغلاق والأزمة مستمرة!
24-9- 2016
مشكلة جامعة بيرزيت هي مشكلة المجتمع الفلسطيني... ولا ندري إن كانت نعمة أم نقمة أن تكون هذه الجامعة هي المقياس الحقيقي لما يدور في المجتمع الفلسطيني.
بعد ما يقارب ثلاثة أسابيع من إغلاق الجامعة، تم إيجاد حل للمشكلة الآنية، فيما ظلت الأزمة قائمةً؛ لأن أزمة "بيرزيت" هي أزمة التنظيمات الفلسطينية، أزمة الحركة الطلابية، أزمة السلطة الفلسطينية... أزمات مركبة تنعكس سلباً على مجتمع الجامعة.
لننظر إلى الأزمة الأولى، أزمة التنظيمات والقوى الوطنية والإسلامية، من الواضح تماماً أن القرار الطلابي (النقابي) مرهون بشكل كبير بالقرار السياسي؛ لأن قيادة الحركة الطلابية ذراع تنفيذية للأحزاب والقوى والحركات، وعادةً ما يتم اختيار ممثلي الحركات الطلابية بموافقات سياسية عليا، أي أن القيادات هي التي لها الكلمة الفصل في تنسيب ممثلي الحركة الطلابية، وبالتالي هؤلاء الممثلون هم في غالب الأحيان تحت أوامر القيادات العليا، ولهذا كان لا بد من الوسطاء الذين بذلوا جهوداً مشكورة من بينها اضطرارهم للتوجه إلى القيادات السياسية سواء الوطنية أو الإسلامية لحلحلة الوضع.
المجتمع الفلسطيني بدا وكأنه لم يعد قادراً على الإحساس بالمخاطر.. لم يتحرك في كثير من الأزمات إلا متأخراً، وفي كثير من الأحيان بشكل خجول، كأزمة الأسرى المضربين عن الطعام مثلاً أو أزمة الفلتان هنا وهناك، وهذا انسحب على أزمة "بيرزيت" بحيث لم نر حراكاً ذا قيمة مجتمعية، يسير باتجاه إيجاد انفراجة في مسألة الحوار الثنائي بين إدارة الجامعة والحركة الطلابية.
لكن المستغرب أيضاً هو موقف السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة أو مؤسسة الرئاسة التي ظلت، أيضاً، صامتةً، وكأن الأمر خارج نطاق اختصاصها. حتى سمعنا تصريحات تقول إن الأزمة داخلية في الجامعة، ولا علاقة للحكومة بها.. كيف ذلك؟ هل "بيرزيت" مؤسسة تعليمية فقط؟!! من يقول ذلك فهو مخطئ؛ لأن "بيرزيت" هي مجتمع كامل، مجتمع مناضل قدّم شهداء وجرحى وأسرى.. مجتمع خرّج كثيراً من قيادات الصف الأول والثاني وحتى الثالث في السلطة الوطنية، مجتمع حمل هموم الناس وحاول إيجاد حلول لقضاياهم الصحية والنفسية والثقافية والعلمية.
"بيرزيت" ليست مؤسسة تعليمية منغلقة على ذاتها، بل هي الصورة المعكوسة للمجتمع بشكل عام، وكان واجباً على الحكومة والسلطة بشكل عام أن تناقش وتبحث وتساهم في إيجاد الحلول للأزمة القائمة وليس فقط مشكلة الإغلاق التي تم إيجاد حل لها.
ما لا يصدقه عقل أو ضمير حي أن يتشفى البعض بمجتمع الجامعة أو أن يستغل البعض هذه الأزمة لمصلحة مؤسسات أخرى؛ لأن هذه كارثة بحد ذاتها.
جامعة بيرزيت هي "باروميتر" المجتمع الفلسطيني بكل كياناته وأشكاله ومشاكله وهمومه، يجب الحفاظ عليها، يجب أن تُنمى روح الإبداع والديمقراطية وحرية التعبير والنضال فيها، لا أن تخنق بثقافة الجنازير والانقسام السياسي والقبلي!!
 متمنين أن يكون هناك تحرك سريع لإيجاد مخرج للأزمة المستمرة.