بين ضغط الاحتجاجات الشعبية وأزمة الطائرة الأوكرانية والرد الهزيل..إيران إلى أين؟

خاص الجديد الفلسطيني
أحمد ماهر جودة


حالة من الغليان يشهدها الشارع الإيراني، بعد الأزمات المتلاحقة التي لحقت بطهران وخيم على قيادتها الصمت في ظل الأحداث المتواصلة واكتفائهم باطلاق التصريحات التوتيرية بين الحين والآخر، فمن مشهد اغتيال سليماني إلى اسقاط الطائرة الأوكرانية بطريق الخطأ واعتراف أكبر أنظمة إيران العسكرية بذلك، ثار المواطنون بلا وعي مطالبين باسقاط النظام وتنحي "خامئني"، ووتفكيك الحرس الثوري، متسلحين بعدة أسباب أهمها، كيف لقوة كبيرة مثل إيران لطالما تغنت بامتلاكها صواريخ الردع النووي أن تفشل في حماية أهم قادتها، وكيف لمنظومة أمنية كبيرة تتغنى بامتلاكها صواريخ مطورة وتكنولوجيا حديثة تُخطيء في اصابة هدفها، وتقتل الأبرياء على متن طائرة مدنية أوكرانية، أضف إلى ذلك "مسرحية" الرد التي انكشفت للعلن بعد إعتراف قائد القوة الدينماركية بتلقيهم انذار سبق القصف بساعة، وخروج الصحف الموالية للنظام الايراني "بمانشيت" النصر، كل هذه الأسئلة وغيرها كانت ولا زالت تخيم على الشارع الايراني منذ أن فُجع بمقتل قائد كبير، ورد لم يشفي الصدور بل كشف زيف الحقائق، وخطأ جسيم أودى بحياة الأبرياء. التظاهرات في إيران وبالإشارة إلى التظاهرات في إيران وانعكاساتها على السياسية الداخلية والخارجية رأى الباحث في الشأن القانوني في مركز التخطيط الفلسطيني، محمد التلباني، أنه وبعد الثورة الإيرانية في عام 1979 والتي كانت رائدة آنذاك واشترك فيها جميع التيارات السياسية ومختلف الإتجاهات وأطاحت بنظام الشاه القمعي والإستبدادي قام التيار الإسلامي في ايران بقيادة الخميني باحتكار هذه الثورة واستبعاد كل الاتجاهات السياسية المخالفة له واستأثر بالحكم لنفسه بعد نفي جميع الأصوات الشيوعية والوطنية، وقام بإنشاء حكم ديني ومؤسسات تقوم بحماية هذا النظام إلى جانب المليشيات العسكرية،و أضاف التلباني، أن هذا النظام قام بالضغط على الحياة في إيران خاصة السياسية والإجتماعية والإقتصادية منها لا سيما في ظل حالة العولمة التي تعيشها الشعوب سواء في المجال الإعلامي أو الاقتصادي وتأثرها بحركة الشعوب الأخرى وتأثرها أيضا بأفكار معينة. وأشار في تحليل لـ"الجديد الفلسطيني" إلى أن جميع هذه الأمور لا تستطيع منع الشعوب من أن تعيش بمعزل عن الحراك الدولي العام، ولكن في ظل حالة الاستبداد للنظام الإيراني من الناحية القانونية بمنع وصول أي أحد من الوصول لسدة الحكم أو لسدة البرلمان غير موافق عليه من مصلحة تشخيص النظام التي تتبع رأساً للخامنئي. قمع الحريات وأوضح أن الشعب الإيراني حاول في محطات عديدة أن يقوم بتغيير شكل النظام وانتخاب اصلاحيين من شأنهم أن يستطيعوا فرض قوانين أفضل بما يخص الحريات الفردية والعامة وخصوصاً حرية الحركة النسوية ولكن كل هذه التحركات كانت تواجه بالقمع والتنكيل من الحرس الثوري الإيراني ومن الأجهزة الأمنية هناك مقتل سليماني.

ورأى الباحث في الشأن السياسي في مركز التخطيط الفلسطيني، د. إسلام عطا الله، أن مقتل سليماني كان يمكن أن يكون ذريعة كبيرة لإيران للتخلص من الاحتجاجات الشعبية، على قاعدة إيران عدو للولايات المتحدة وبالتالي إضفاء صدقية على خطاب إيران بهذا الشأن؛ بالتالي تستمر السياسة الإيرانية بنفس النهج ما قبل مقتل سليماني، لا سيما وأن النظام الإيراني لم يستجيب لتلك الاحتجاجات التي خرجت منذ عامين. وأوضح في تحليل لـ"الجديد الفلسطيني"، أن هناك عاملين قد يكونا مؤشرات أولية على احتمالية تغير السياسة في إيران لتكون أكثر استجابة لتلك الاحتجاجات.


الرد الايراني الهزيل أولا: طبيعة الرد الإيراني: الهزيل: فتح التساؤلات حول ما إذا كان غياب سليماني عن المشهد مصلحة ورغبة إيرانية أيضاً داخلية، فهو كان عقبة أمام المفاوضات مع الاتحاد الأوربي، وعقبة أمام المطالب الشعبية في إيران والعراق؟، وأضف، كان ضمن المطالب الشعبية الإيرانية، وهو الالتفات الى الأوضاع الداخلية والتخلي عن فكرة تصدير الثورة، والتمدد الخارجي، وتحسين الاقتصاد، وهذا كان مرتبط بالعقوبات المفروضة على ايران، وعدم مرونة ايران مع الاتفاق النووي". ورأى أن أهداف الخصوم قد تتوافق، لكنه أوضح أن هذا لا يعنى أن لهم أجندة واحدة، فكل خصم يرغب في بقاء الهدف، أو التخلص منه، هو يتتبع في المقام الأول مصالحه، ومعيقات وأخطاء الهدف بالنسبة له في المقام الثاني، وبالعادة قد تكون نفس العقبات والأخطاء نفسها هي التي يتتبعها العدو. النفوذ الإيراني الخارجي وأضاف، ما يجب أخذه بعين الاعتبار أن سليماني، شكل نفوذاً كبيرة في العراق وسوريا، والمنطقة من خلال وكلاء فيلق القدس، الذي كان لهم ارتباط مباشر بسليماني. واعتقد أن النفوذ الذي حققه سليماني في العراق وسوريا، والتحكم في منابع النفط والموارد، جعلته يستغنى عن التمويل لكثير من المليشيات والمشاريع التي يمولها فيلق القدس وهذا لم يكن يروق الي الإرادة السياسية الإيرانية كلها، ولا الشعب الإيراني الذي يعاني من الفقر بينما أمواله وموارده تنفق على الخارج. لم تنجح جهود الرئيس حسن روحاني لكبح التدفق غير المراقب للأموال الى فيلق القدس. مكانة سليماني في بلاط الزعيم الاعلى علي خامنئي مكنته من أن يملي تقريبا، بلا شروط، طلبات لوحدته لدرجة أنه احيانا اثار غضب قائد حرس الثورة الذي يسيطر نظريا على ميزانية "قوة القدس". ولفت إلى أن سياسة المساومات مع الدول الكبرى لا تتحدد إلا من خلال موافقة سليماني نفسه، وكان هذا يشكل عبء كبير على المفاوضات الروسية الإيرانية لتقليص مناطق النفوذ الإيرانية في سوريا، كما انه لم يستجيب لمطالب دولية في تخفيض حدة العنف الذي استخدمته المليشيات الشيعية ضد المتظاهرين العراقيين، ورفض التحول الذي يطالب فيه المتظاهرين. هيمنة سليماني ونوه إلى أن سليماني، رفض أيّ تدخل من الدول الغربية في دور إيران الإقليمي، محذراً من السعي وراء اتفاق "إقليمي" على غرار الاتفاق النووي. هذا لم يكن يعبر عن الرغبة والإرادة العميقة للإدارة السياسية الإيرانية، والتي كانت ترى في المساومات والمفاوضات من أجل تخفيف حدة التوتر مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي إزاء الاتفاق النووي، لا سيما بعد أزمة مضيق هرمز، ضرورة من أجل تخفيف العقوبات على إيران لتحسين الأوضاع الاقتصادية. وأكد عطا الله أن الحكومة الإيرانية تميل إلى إبقاء المفاوضات مع الدول الاوروبية طيّ الكتمان، لكن تصريحات سليماني تسلط مرة أخرى الأنظار إلى القضايا التي ظهرت للعلن، بعد احتدام الخلافات بين أجهزة صنع القرار، وذلك في تقليد لأسلوب المرشد الإيراني، علي خامنئي، الذي عادة ما يكشف خلافاته مع الرئيس الإيراني؛ عبر تحذيرات تصدر بشكل مفاجئ في خطاباته حول قضايا داخلية وخارجية.