في مواجهة كورونا..القليل من نظريات المؤامرة والكثير من التضامن الإنساني أرجوكم!

عمرو حمزاوي

صرنا بفعل الانتشار المستمر لفيروس كورونا والتصاعد المتسارع لأعداد المصابين والمرضى والموتى إزاء لحظة خطر عالمية تستدعي لمواجهتها المباشرة الكثير من التضامن الإنساني والكثير من الثقة في العلم الحديث والكثير من العقلانية والحسم السياسي لدى الحكومات.

نحتاج للكثير من التضامن الإنساني لكونه اليوم هو السبيل الوحيد للسيطرة على الفيروس وحمايتنا جميعا من تداعياته الصحية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية. البقاء في المنزل والامتناع عن الاختلاط بالآخرين والالتزام بتعليمات إغلاق المدارس والجامعات والمحال وإلغاء التجمعات وحظر التجوال (حال وجوده) تمثل ممارسات تضامنية علينا الاضطلاع بها للحد من انتشار الفيروس القاتل، ومن ثم تمكين منظومات الرعاية الصحية من تقديم خدماتها، بدون انكسارات حتما ستحدث إن تجاوزت أعداد المصابين والمرضى الطاقة الاستيعابية للمستشفيات والحدود القصوى لقدرة الأطباء وفرق التمريض على العمل، من دون توقف.

لا بديل أيضا عن البقاء في المنزل والامتناع عن المخالطة الاجتماعية لكي نتضامن لتوفير الحماية الضرورية للمجموعات السكانية التي يفتك بها الفيروس أكثر من غيرها ككبار السن والمعانين من الأمراض المزمنة والفرق الطبية دائمة الاحتكاك بضحايا كورونا والفقراء ومحدودي الدخل الذين قد لا تتوفر لهم فرص حقيقية للعلاج حال الإصابة والمرض. على الأصحاء والشباب ممارسة التضامن إزاء كبار السن والمعانين من أمراض القلب وضغط الدم المرتفع والسكري وغيرهم من الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس بإعانتهم على الوفاء بمتطلبات المعيشة وقضاء احتياجات الحياة بدون أن يضطروا لمغادرة منازلهم. علينا جميعا التضامن مع المتضررين اقتصاديا واجتماعيا من تداعيات انتشار كورونا وحالة الركود (وربما الكساد) العالمي المحيطة بنا اليوم، خاصة الفقراء ومحدودي الدخل من العمال اليوميين والموسميين وأصحاب المقاهي والمطاعم والمحال التجارية والمشروعات الخدمية الصغيرة. والأفضل في هذا السياق، وهو ما تتسارع خطواته في العديد من البلدان، أن تطلق مبادرات أهلية من جهة للدعم المالي والعيني لهذه الفئات المتضررة وأسرهم ومن جهة أخرى لإتاحة فرص للتوظيف البديل إلى أن تستعيد الحياة اليومية شيئا من طبيعيتها.

نحتاج للكثير من الثقة في العلم الحديث وفي قدرته بحثا وتطويرا وتجريبا وإنتاجا على إيجاد علاج للتداعيات الصحية الخطيرة التي ترتبها الإصابة بفيروس كورونا وعلى إيجاد لقاح يقي البشرية من أن يتجدد فتكه بها ويتجدد إيقاعه لمئات الآلاف من المرضى والآلاف من الموتى. اليوم، يبدو الأمر وكأن المسار القاتل للفيروس عصي على الإيقاف أو حتى على مجرد الحد من سرعة مروره المدمر ببلدان العالم من الصين إلى إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وصولا إلى البرازيل وجنوب إفريقيا وأستراليا. بعيدا عن نظريات المؤامرة التي تجرم العلم الحديث بزعم أن كورونا قد تم «تصنيعه من قبل علماء يتبعون أجهزة استخبارات» أو تنزع عنه الالتزام الإنساني والمصداقية الأخلاقية بادعاء أن العلاج واللقاح يتواجدان بالفعل في «مختبرات أوروبية وأمريكية» تتبع استثمارات خاصة تنتظر سقوط المزيد من المرضى والموتى قبل أن تطرحهما طلبا لأرباح خيالية، سينجح العلماء في الجامعات وفي مراكز الأبحاث الحكومية والخاصة وفي معامل شركات الصناعات الدوائية حتما في الوصول إلى العلاج واللقاح الفعالين وأغلب الظن عن قريب.

نحتاج في مواجهة كورونا للكثير من العقلانية والحسم السياسي لدى الحكومات على اختلاف طبائعها من ديمقراطية إلى شمولية وعلى اختلاف قناعات قادتها من عداء الرئيس الصيني شي جينبينغ للشفافية إلى الصراحة الصادمة للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل مرورا بشعبوية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واستخفافه بالحقائق العلمية. نحن أمام لحظة خطر عالمية لم يشهد الأحياء من بني الإنسان مثيلا لها من قبل (باستثناء العدد القليل من المعمرين الذين عاصروا جائحة الإنفلونزا الإسبانية في 1918)، نحن إزاء مسار قاتل لفيروس أسقط مرضى وموتى في 144 بلدا ورتب من الأحزان والآلام ما لم يمكن إنكاره، نحن في معية منظومات للرعاية الصحية بلغت طاقاتها الاستيعابية الحدود القصوى وكاد مخزونها من المعدات والعقاقير أن ينفد واقتربت طاقة العمل لدى الفرق الطبية والفرق المعاونة من الانكسار، نحن في مواجهة أزمة اقتصادية حادة قد تدفع معدلات الفقر والعوز والبطالة والاستدانة إلى خانات سوداء ستذكر بكارثة الكساد العظيم في 1929.

مسؤولية الحكومات هي أن تمارس الفعل العقلاني بالالتزام بمقترحات العلماء فيما خص الوقاية من الإصابة بفيروس كورونا إن بمنع التجمعات وحظر التجوال أو بتعطيل الدراسة والعمل وإغلاق الحدود، وبتعبئة كل الموارد البشرية والمادية المتاحة لحماية أرواح المواطنين ورعاية المرضى ومساعدة الفئات الأكثر تضررا اقتصاديا واجتماعيا، وبالابتعاد قدر الإمكان عن الانحيازات المعهودة للحكومات باتجاه أصحاب القوة والثروة والنفوذ. مسؤولية الحكومات هي أن تغلب الحسم السياسي، الحسم في اتخاذ القرارات المصيرية وفي وضعها سريعا موضع التنفيذ، على الخوف والتردد والمراوحة في مواقع اللافعل. ليس فرض حظر التجوال بالقرار السياسي الهين إن في الديمقراطيات أو الشموليات، غير أن وقاية المواطنين من الإصابة والحد من الضغوط المتصاعدة على منظومات الرعاية الصحية لكي تتمكن من رعاية المرضى وصون حقهم في الحياة وإبطاء المسار القاتل لكورونا جميعها أمور حيوية تستدعي إن فرض حظر التجوال أو تقييد حركة الناس في المساحات العامة. ليس تمرير موازنات إضافية بمليارات الأموال في ظرف أزمة اقتصادية حادة بالقرار السياسي السهل إن في الديمقراطيات أو الشموليات، غير أن الحيلولة دون الانهيار التام للنظم الاقتصادية والمصرفية وللبورصات ولقطاعات إنتاجية وخدمية بعينها وكذلك التقليل من الآثار الاجتماعية الكارثية للركود (مجددا وربما الكساد) القادم على الفقراء والضعفاء والمهمشين يستدعيان حسم الحكومات ونزوعها إلى اعتماد موازنات إضافية تضمن المأكل والمسكن والرعاية الصحية لمن سيتعطلون عن العمل (تشير التقديرات الأولية إلى احتمال بلوغ نسب البطالة في بلدان الغرب الغنية والمتقدمة حدود الـ 30 في المئة، فما بالك ببلداننا!)، وتقدم للقطاعات الإنتاجية والخدمية الحيوية الحوافز المالية اللازمة للاستمرار، وتحد من المعدلات المرتفعة المتوقعة لاستدانة الأفراد والأسر وأصحاب المصالح الاقتصادية والتجارية الصغيرة والمتوسطة.

أرجوكم، دعكم من نظريات المؤامرة البائسة والتفتوا إلى واجب التضامن الإنساني وثقوا في العلم الحديث وطالبوا الحكومات بالعقلانية والحسم.