صحافة التحرّي وتدقيق الأخبار الكاذبة خلال جائحة كورونا

بقلم / أحمد حمودة

طالب دكتوراه بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس

تعدّ الأخبار الكاذبة ظاهرة قديمة وهي ليست مرتبطة بجائحة كورونا، لكنّ تعاظم انتشارها مع ظهور منصات الميديا الاجتماعيّة بشكل كبير، وهدفها هو التضليل disinformation إذ تصمّم بشكل يعطيها انطباع بأنّها صحيحة وتتوفر بها مقومات الخبر الصحيح بإضافة مصدر وتأتي بعنوان وفي بعض الأحيان تمزج بين عناصر حقيقيّة وعناصر مضلّلة، لكي تخلق نوعًا من الشك والريبة بين الناس، وتساهم في تغذية مشاعر الكراهية والعنف وتؤدي إلى اختلاق وزعزعة الثقة في المؤسسات الرسمية  والإعلاميّة ويمكن أن تعطّل السياسات الصحيّة عندما تضعف التزام الناس بالتعليمات التي تصدرها المؤسسات الرسمية لأنّها تأتي بتفسيرات بديلة عنهم.

انتشر مصطلحinfodemic  واستخدمه رئيس منظمة الصحة العالميّة في 2 فيفري 2020، وكان يقصد به أن جائحة كورونا تصاحبها جائحة أخبار زائفة وأكاذيب وإشاعات وحتى أساطير تؤدي أيضا إلى نتائج خطيرة، مثلًا تناول أدوية خطيرة وغير مناسبة على غرار الثوم والماء الساخن مع الليمون أو نظريات المؤامرة التي تقول أن الفيروس يمكن أن يكون ابتكارًا بشريا أو مؤامرة صينية وإن شبكات الاتصال (5 G) تنقل المرض. كل هذه الأخبار الكاذبة والزائفة والمغلوطة لها نتائج خطيرة على صحة الناس وعلى سياسات الدولة في مقاومة هذه الجائحة.

ما هي الأدوار التي يجب أن تقوم بها الصّحافة في سياق الجائحة؟

 تقوم مهنة الصحافة أساسًا على التحرّي، والصحفي لا ينقل إلا المعلومات التي تحرّى بنفسه في أصالتها. وبالرجوع إلى (الميثاق الأساسي) الإعلان العالمي لأخلاقيات المهنة الصّحفيّة فنرى أن المعيار الأول للصّحافة هو احترام الحقيقة وأنّ غايتها الكشف عن الحقيقة وإيصالها للجمهور. وفي هذا السياق وجب على الصّحفي احترام النزاهة في جمع الأخبار والتمييز بين الوقائع وبين التعليق والنقد. وبالعودة إلى ميثاق ميونخ للأخلاقيات المهنيّة الذي تم اعتماده في 24 نوفمبر 1971 نلاحظ بأنّ هناك تأكيد على مفهوم الحقيقة واحترامها، وفي نقطة هامة من الفصل الثالث تؤكد على أنّ الصحفي لا ينشر إلا المعلومات التي يعلم مصادرها بشكل جدّي، وفي سياق متّصل وعند العودة للميثاق التّحريري والأخلاقي لمؤسسة الـ BBC الإعلاميّة نلاحظ بأنّ التحرّي والتدقيق في المعلومات هي بعد أساسي، ويؤكّد الميثاق على قيمة الدّقة التي تأتي في أول بنوده. وفي السياق ذاته يوجد لدى مجلة Der Spiegel  الألمانية الأسبوعيّة 70 صحفيا يدقّق في الأخبار التي ينتجها الصحفيون داخل المؤسّسة.

إذًا، تحوّلت صحافة التحرّي إلى نوع صحفي جديد، وهناك الآن الشبكة الدوليّة للتحرّي The International Fact-Checking Network  ويجتمع اعضائها في إطار مؤتمر دولي أسمه Global Fact، وأسّس اليوم العالمي لصحافة التحرّي الذي ينظم في شهر 4  من كل سنة، وفي هذا السياق نذكر بأن هناك تحالف دولي بين وسائل إعلام عديدة منها ووكالات أنباء أطلقت على نفسها Corona Virus Facts Alliance وهو بنك معلومات من سبعين دولة نشرت 6600 تقرير حول الكورونا فيروس، وتوفّر أدوات عديدة وضعها هذا التحالف على ذمة الصحفيين لمتابعة الأخبار الكاذبة لأنها تنتشر بطريقة كونية.

الخلاصة، نتقدم ببعض النصائح ذات طابع منهجي لمجابهة الأخبار الكاذبة.

o    يجب أن تعيين متخصصين في وسائل الإعلام لرصد الأخبار الكاذبة والشائعات ذات الانتشار الواسع عبر الميديا الاجتماعيّة، لتأثيراتها الخطيرة على سلامة الناس. 

o    عدم استخدام لغة الإثارة مثال (الفيروس القاتل) هذا تعبير قد يخلق حالة الهلع.

o     عدم استخدام سيناريوهات كارثية مصحوبة بصور مثيرة (سيموت مئات من الناس). 

o    يجب وضع قائمة في المواقع التي تنشر الأخبار الكاذبة، ومعرفة هل هناك مجموعات تتبادلها وتتناقش حولها. وهل أن الخبر خرج من المنصات الاجتماعية وانتشر في مواقع أخرى ووسائل الإعلام؟ وينصح في هذه الحالة مطابقة المصادر للتأكد منها.

o    التعاون مع الجمهور بوضع آليات تسمح لهم بالتبليغ عن الأخبار الكاذبة لمقاومتها.

o    العودة إلى المصادر والمراجع العلميّة لتفنيد وضحد الأخبار الكاذبة، والتساؤل: هل هي صادرة عن مؤسسة إخبارية؟ هل سُمع من قبل بهذا المصدر، والتثبت من صدقيّتها وجودتها.

o    البحث في المضمون نفسه. هل فيه معايير الخبر الجيد؟ هل بها تاريخ، هل هي تحمل اسم الكاتب؟ هل هناك معلومات عن الكاتب، هل الكاتب يستخدم لغة سليمة في مستوى النحو والصرف؟

o    استخدام العقل بكل بساطة، هل المعلومات التي يحملها الخبر قريبة من منطق العقل أم لأ؟ وفي هذه الحالة وجب تقديم معلومات للناس ذات طابع تفسيري تسمح لهم بفهم الوقائع الجاريّة.

o    متابعة منصةPointer  لأنها تمثل مصدرا أساسيا لمتابعة ماذا ينشر من أخبار الكاذبة في العالم. ونضيف بأنّ لدى هذا الموقع نشريّة يومية للأخبار الكاذبة المتداولة، ويشترك فيها الصحفيون إذ تأتيتهم عبر البريد الإلكتروني من كل دول العالم.