المصالحة الهاتفية..بقلم:معتصم حمادة

بعد ساعات على انقلاب 14/6/2007، انطلقت أول صرخة ضد الانقسام، ودعت للتراجع عنه فوراً واستعادة الوحدة الداخلية، في مبادرة أطلقها المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، حذرت فيها من النتائج التدميرية لما وقع وما سوف يلحقه بالقضية الوطنية من أضرار.

تعرضت المبادرة إلى حملات تشويه، مغرضة، أخذت، بلغة دخيلة على الثقافة الوطنية الفلسطينية، تدافع عن سياسة «الفرز الثوري»، ولو أدى ذلك إلى سفك الدماء، في محاولة لتوفير الغطاء السياسي لعمل أقدمت عليه حماس، ثم أدركت بعد تجربة مريرة، وبعد دروس صاعقة، وبعد ضغوط شعبية، وخارجية صديقة، أن الانقسام لن يوفر إلا الدمار للقضية والحقوق الوطنية.

بدأت سياسة دعم الانقسام تتراجع تكتيكياً، إلى أن رست الأمور حيث يجب أن ترسو، أي إدانة الانقسام، حتى على لسان طرفيه، فتح وحماس، والدعوة إلى إنهائه فوراً، واستعادة الوحدة الداخلية، ووحدة المؤسسة الوطنية، وتحرير القضية من تداعياته المرهقة.

لا داعي، هنا، للإشادة بالرؤية الثاقبة التي تمتعت بها الجبهة الديمقراطية منذ اللحظة الأولى، في مواجهة الانقسام، خاصة وأن الوحدة الوطنية تشكل عند الجبهة واحداً من الثوابت الكبرى، من غير المسموح العبث بها، تحت أي شعار أو عذر كان، لا في إطار «الفرز الثوري» المزعوم، ولا حتى في إطار «تحرير م.ت.ف من خاطفيها»، ولا كل المحاولات البائسة التي دفنها التاريخ، والتي فشلت في بناء مرجعيات بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية، في تشكيلات أطلقت بدعم إقليمي، وهوت وماتت بإشارة إقليمية.

*  *  *

مناسبة هذا الكلام، الثقيل ربما على معدة البعض، هو الضجيج (الحقيقي أو المفتعل لا فرق) تعليقاً على المكالمة الهاتفية بين جناحي الانقسام، فتح وحماس، والترحيب الذي لقيته هذه المكالمة، باعتبارها خطوة تاريخية ونقلة نوعية في العلاقات الوطنية، انبرت للتطبيل والتزمير لها أقلام اعتادت أن يكون لها حصة في كل الأعراس، وحصة في كل المآتم، بحيث يصبح القول عنها إنها أقلام «تحت الطلب».

لا شك في أن المكالمة بين الأخوة الرجوب والعاروري خطوة إيجابية. (نقول مكالمة ولا نقول مؤتمراً صحفياً، لأن الحديث بينهما خلا من أية سياسة قد تدفعنا لوصف المكالمة بأنها مؤتمر صحفي).

في الحقيقة ليست هي المرة الأولى التي يخطو فيها الطرفان خطوة إلى الأمام، ثم ما تلبث أن تتحول إلى محطة من محطات التلاشي والحروب الكلامية.

ومع ذلك يدعونا الواجب الوطني لأن ننظر إليها بعين الترحيب، والدعوة نحو إكسابها مصداقية بخطوات عملية تقنع الرأي العام بجدية الطرفين، هذه المرة، في تجاوز الانقسام، كما ننظر إليها في الوقت نفسه بعين الترقب والحذر (وأحياناً الشك) حتى لا تتكرر معها تجارب سابقة، خطا فيها الطرفان خطوات أبعد بكثير من خطوة «المصالحة الهاتفية» وقعا خلالها وثائق وتفاهمات وبروتوكولات وبيانات مشتركة، آخرها عام 2017.

نقول الحذر والترقب، وكذلك الشك، وفي الحلق أسئلة تصر إلا أن تنطلق، حتى نصارح أنفسنا، وتكون معنا، فتح وحماس، صريحتين هما أيضاً.

• هل تراجع قادة حماس في القطاع عن تصريحاتهم في التشكيك بشرعية م.ت.ف، وشرعية موقعية السلطة الفلسطينية، وشرعية الرئيس عباس، أم أن ما في القلب مازال في القلب؟

• هل تراجعت حماس عن مبادئها الأربعة التي أعلن عنها هيئة لتوحيد الحالة الوطنية في مواجهة الاحتلال ومشاريع الضم؟

• هل باتت حماس على استعداد للشروع بتسليم الإدارة في القطاع للسلطة الفلسطينية، عملاً بالاتفاقات الموقعة، ولو في إطار خطة غير متسرعة؟

• هل باتت السلطة في رام الله على استعداد لإطلاق حرية حركة حماس في العمل السياسي أسوة بباقي الفصائل؟

• هل ستتوقف الاعتقالات الأمنية لدى الطرفين، على خلفيات سياسية وفي إطار سياسات كيدية؟

*   *   *

قد تطول لائحة الأسئلة، خاصة وأن ما تلا اللقاء الهاتفي بين الرجوب والعاروري، لفت الأنظار.

• فبعض أطراف فتح سارع فوراً إلى مطالبة حماس بإثبات مصداقيتها بالعمل على تطبيق اتفاق 2017، أي الشروع بتسليم الإدارة للسلطة الفلسطينية في رام الله.

• أن أصواتاً أخرى أوضحت أن ما جرى ما هو إلا خطوة جزئية، سوف يتلوها حوار ثنائي بين الطرفين. في وقت كانت فتح تقول فيه أن لا حوار مع حماس، خاصة بعد اتفاق 2017، وأن المطلوب عدم الذهاب إلى حوارات جديدة، بل المطلوب الشروع بتطبيق ما اتفق عليه (هذا ما أكده أكثر من مرة عزام الأحمد، المكلف من فتح بإدارة الحوار مع حماس).

• إن أصواتاً أخرى حاولت أن تبشرنا بأن الأمور تسير سيراً حسناً، وأن الطرفين اتفقا على ثلاث قضايا أساسية. ما هي هذه القضايا؟

• القضية الأولى اتفقا على رفض الضم(!)

• القضية الثانية: اتفقا على الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على حدود 67(!)

• أما القضية الثالثة التي اتفقا عليها فهي اعتماد المقاومة الشعبية في مواجهة كافة المؤامرات والخطط التصفوية. (أوردها عضو المجلس الثوري لحركة فتح عبد الله عبد الله في «دنيا الوطن» 7/7/2020).

أما قضية المصالحة وإنهاء الانقسام، فقد أكد عبد الله أن الحديث مع حماس لم يتناولها بعد.

دون التقليل من أهمية ما تم «الاتفاق» عليه، من قضايا، كما «كشف» عنها عبد الله عبدالله، فإنها تبقى في العموميات التي تحتاج إلى توضيحات.

فالمؤتمر الوطني الذي انعقد في قطاع غزة، تجاوز هذه النقاط الثلاث، وشكل خطوة أكثر تقدماً مما اتفق عليه الطرفان.

والبيان الأخير للقوى الوطنية والإسلامية في رام الله، تخطا هو الآخر، هذه النقاط الثلاث، وقدم ما يمكن اعتباره برنامج عمل للأشهر القادمة، على الصعيد السياسي والجماهيري.

 وبالتالي لا يجوز لحركتين، تعتبران نفسيهما الحركتين الأكبر في الحالة الفلسطينية، أن تقفا عند حدود قضايا نعتبرها مسلمات في حسابات الرأي العام، وبديهيات في الوعي السياسي الفلسطيني.

• فمن منا، على سبيل المثال، ليس ضد مشروع الضم وصفقة ترامب- نتنياهو؟

• ومن منا، على سبيل المثال أيضاً، ضد قيام دولة فلسطين على حدود 67 وعاصمتها القدس؟

• ومن منا، لا يرى في المقاومة الشعبية السلاح الأقوى في مجابهة الاحتلال ومشروع الضم؟

خلاصة القول، وبالعربي الفصيح:

• لا نريد لهذه «المصالحة الهاتفية» أن تشكل غطاء لحماس للتهرب من مسؤولياتها كسلطة أمر واقع في القطاع، ليحتل القطاع موقعه في مقاومة الضم، وبحيث لا تتغلب ضرورات «السلطة» على ضرورات المجابهة.

• لا نريد لهذه «المصالحة الهاتفية» أن تشكل غطاء للسلطة في رام الله للبقاء في الدوران في مربع سياسة الانتظار والرهانات على الاحتمالات، بديلاً لاعتماد استراتيجية شاملة للمواجهة.

مع الترحيب مجدداً بالخطوة، لا نذهب نحو المجاملة، بل نحو المصارحة الوطنية: الطرفان مرة أخرى على المحك