جمال نزال: حازم أبو شنب متحدث مفوه طيب الحضور وذو ذهن متوقد

نعى الناطق باسم حركة فتح، عضو المجلس الثوري للحركة، جمال نزال، عضو المجلس الثوري حازم أبو شنب والذي وافته المنية قبل عدة أيام في مصر بعد صراع مع المرض.

جاء ذلك، في مقال نشره نزال، عبر فيه عن حزنه الشديد لفقدان رفيقه أبو شنب، حيث حمل المقال عنوان: "جمال نزال في وداع حازم أبو شنب"، جاء فيه: 

هناك ألوف مؤلفة من الأشخاص الذين دفعوا في سيرة حياهم ثمنا باهظا للاحتلال والانقسام (مجريات ووقائع ونتائج). فلا نسمع قصة أحدهم إلا عندما تتخذ منحاها المأساوي الصارخ الذي يفجر قدرة الحيز العام على الكتمان والطي. حازم أبو شنب واحد من هذه الألوف. بارز حاضر معلن جاهز وقديم. فهو ابن عائلة هجرت من وطنها. 

وأثناء الانقلاب في 2007 تعرض للاحتجاز في سجون حماس ولاقى من صروف التعذيب ألوانا ومن شظف العيش أشكالا ثقال. وقد طالت مدة احتجازه  وأنا اتابع أيامها مع عائلته من حيث أنا في رام الله. 

طيلة فترة احتجازه تواصلت مع عائلته الكريمة وقد انقطعت أخباره وتعاظم القلق على أحواله الصحية المثقلة أصلا بتاريخ من المتاعب والمتطلبات.

ثم خرج من السجن ملتح متأبطا مصحفا وسجد لله شكورا أمام ممثلي الإعلام. كأنه يقول أنا مسلم اعتقلته حركة إسلامية فهل ترون؟ 

وأمام التهديدات المستدهفة لأمنه الشخصي لم يعد بمقدوره  في 2008 الاستمرار في غزة فاضطر للخروج إلى مصر كي تنجو عائلته مما تعرضت له من ملاحقة وابتزاز. 

ذلك للتاريخ. في وقت ما وصل حازم إلى رام الله وحصل على تقدير يليق بمن لم يلاق مصير سميح المدهون وجاد تايه حسين أبو هليل ومحمد غريب ومحمد سلامة السويركي وحسن أولائك رفيقا. ومن ثم إلى مصر حيث استقر إلى أن انتدب سفيرا لفلسطين في باكستان.. 

في الحياة دروس قاسية. ولكي تعلم  بما خفي عليك مما هو مختبئ عنك بين رأسك وصدرك يتطلب الأمر أن تتنقل أحيانا بين القارات. فتقرأ في تضاريس الترحال طلاسم شيفرات نفسك وخرائط عقلك التي تجهل فتعرف. 

تعرف ماذا؟ هناك تعلم أن الدبلوماسية الهادئة ليست دائما لرجال الإعلام الذين يجيدون استخدام الجرافة وترسيم الجبال بأفصل مما يستطيع أحدهم الامساك بريشة فنان تترك الآثار بلا صوت. المدفهية الثقيلة لا كالهمس في أذن الخيول لترويضها بالطمأنينة والثقة قبل السوط. 

السوط في الصوت لا كالهمس في الأذن. الصوت هو الذي لم يخفت في حازم أبو شنب بين تنقل بين معاناة ومعاناة. بين قمم وسفوح. 

في صورة له التقطت في باكستان تراه يعانق رئيس الوزراء الباكستاني زوج بناظير بوتو كأنه أخاه الصغير وحازم ذو قامة فارعة يتوجها صدغ افريقي السبكة يخفي دماغا تتسابق سرعته من مع وزنه. حازم فطين لماح. قليل الصبر حينا قليل الكتم أحيانا. إعلامي يعني. 

الإعلامي يؤمن بكل السنة النبوية ما عدا حديث واحد شريف يقول: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان. عند هذا الحديث ينهض الدبلوماسي من مجلس الإعلامي كي لا يفسد طبخته التي لا تستوي ببغير لهيب هادئ لا ديناميت. لهذا عاد حازم من باكستان إلى مصر. وفيها استرد صوته وميكروفونه. عدة الشغل التي يحتاج في عائلة بها الباحث حسين أبو شنب والده القديم.

قلت: صار وجوده في مصر سفينة عودته للوطن من بوابة أخرى. وانطلق سفيرا لفلسطين إلى الباكستان. وكنت قد التقيته في 

2009  على هامش المؤتمر السادس لحركة فتح في فندق البارادايس في بيت لحم. كان على موعد مع عضويته في المجلس الثوري لحركة فتح. كان يتحدث في حلقة صغيرة من الأعضاء تزيد عن أربعين عضوا من كل الأقاليم. حاوم إعلامي منظر للفكرة الوطنية. انتخب حازم لعضوية المجلس الثوري في 2009 وواصل نشاطه الإعلامي جاعلا من نفسه منبرا للصوت الفلسطيني حيثما حل. كان حازم أبو شنب متحدثا مفوها طيب الحضور وذا ذهن متوقد فطين.

وأجمل ما فيه روح الدعابة التي تقزم الصعاب وتجد "نهفة" في كل خطب جلل.

حازم أبو شنب أثبت حضوره بلقب وبلا لقب. فظل عنوانا لدى الصحافة العربية بشكل خاص وصوتا منافحا عن الفكرة الوطنية الفلسطينية.

صندوق الذكريات على هامش أحدى الدورات المبكرة جالسته في فندق المناع وقد طلب طبقا ساخنا وانتظر. كان أمامه جهازي تلفون لا يصمت أحدهما حتى يرن الآخر. لا يتوقف عن استعمال الهاتف لاستقبال المكالمات طوال الوقت خصوصا مع أصدقاء وأخوة من غزة يعرف بعضهم ولا يعرف آخرين. 
 
أتصل شخص من غزة وأخذ حازم يتحدث معه ويدور الحديث عن معاملة يحتاج الشخص أتمامها في رام الله. طال الحديث فيما بينهما وحازم يجول في ثنايا الصالة يختفي تاة وراء أحد أعمدتها ويظهر تارة من وراء شجيرة مزروعة في قوار بيده أحد أوراقها وهو منصت للمتحدث على التلفون.. تواصل الحديث حتى عادت السمكة التي طلبها حازم باردة كما كانت لحظة إخراجها من التجميد وهو يطوف بالصالة متحدثا لمواطن ما. برد الطبق وانتهت المكالمة. وسرعان ما دق هاتفه الآخر فسحبته من يده. وقلت: "الآن تأكل. تلفون لع" بقي ساعة ونصف على موعد جلسة المساء لتلك الدورة من المجلس الثوري التي تستمر لما بعد منتصف الليل.. وسألته من المتصل الذي تنازلت عن وجبتك لصالح الحديث معه مطولا؟ هل تعرفه؟ قال: إنني لا أعرفه ولكنه يحتاج لمعاملة من رام الله وسأسعى له بها. تحدث زهاء ساعة متناس صحنه وتحدث مع شخص لا يعرفه في أمر لا يعنيه ولكنه يخدم شخصا غريبا عنه.

ذلك سطر عن حازم أبو شنب وعمق ارتباطه بالناس. قال: جيمي هل تعرف الصفيحة؟ قلت لا. قال أدعوك لطبق صفيحة. وجدتها كالخبز مع ماء وسكر. لا غرام لي بالحلويات التي كانت تستهويه لدرجة الإفراط. رغم بدانة حازم الا أنه لم يكن شرها ولا مفرطا في الأكل. ومن جميل طباعه أن الأكل معه يبعث المسرة فلا يبدو عليه إخلال بقوانين الطاولة بل فيه حسن تناول الطعام بأدب جم وإيثار لمن يجلس قبالته مماي بعث على التقدير لشخص من بيت خير. تندرت عليه مرة وقلت: كيف تكون لقمة صغيرة هكذا لشخص بدين؟ فهو يتناول الأكل ببطىء ولا يتكلم أثناء المضغ. ومن ذلك شيء في حسن صحبته.

التحليل ومراقبة  حركة "النجوم" عن بعد..

صديقي حازم كان جياش الصدر كثير التفكير. حاد في نقده لكل شيء. مرصاد لكل انحراف عن السليقة في أشخاص الحياة العامة وعميق الاطلاع على تفاصيل خرائط المحبة والبغضاء بين ديوك الحلبات في الساحات البعيدة. قال: جيمي أنت لا تتقن قراءة تحالفات الأقطاب والأشخاص. قلت هذا صحيح. وأوضحت: يشوقني مشاهدة مصارعة البراغيث والديدان بأكثر من سباق الجمال في حلبة تضيق بقطين اثنين. قال لماذا؟ قلت لأنني لا اومن بما يسمى التحالفات بين الأشخاص ففي الأشخاص قلوب تتقلب وتغير التحالفات بغير سبب يتصل بالمواضيع. فكلها تهليسات عبارة. قال والله في منه.  وقد رأيت أشخاصا يستميت بعضهم في استعداء الآخر ثم ما يلبث أن يجعله أقرب الأحباب. ورأيت أحبابا يكاد بعضهم أن يشرب العرق من جبهة صاحبه من فرط حبه له ثم سرعان ما يكسو خنجره صدر خليله غمدا للبوار فأين دبر التحالفات؟؟! 

في آذار الماضي وصل حازم المحطة شبه النهائية. تم تشخيص أمراض قاتلة في مراحل متقدمة وبقي قيد العلاج حتى نال المرض من بدنه الكبير.

سأتذكر:

مع تقلب الكثير من الأشياء والأشخاص ظللت على مودة مع الصديق حازم أبو شنب منذ ما قبل احتجازه عند حماس في 2007. وككل الصداقات يختلف الأشخاص. لكن الود يدوم إذ تفنى الجسوم وتبقى الرسوم.

وعند انتشار خبر وفاته فاض الفيس بوك بصوره والمترحمين عليه. أيقنت أن كل من صادقه اعتقد أنه أفضل صديق. سامحه الله. رحمه الله. لذكرى المحارب العزيز حازم أبو شنب (أبو حسين) تحية.

اليوم كلمت نجله حسين سنة رابعة في الجامعة يدرس اللوجستيك. والآن؟