سويلم
سويلم

الفاشية في الولايات المتحدة وراء الباب

خلال الأسبوعين القادمين سنعرف إن كانت الدولة العميقة في الولايات المتحدة ما زالت بصحة وعافية، أم أنها وهنت وضعفت وتقادمت، إلى درجة تسمح لترامب وأعوانه والملايين من مناصريه بالانقضاض عليها وتقويضها.
لستُ خبيراً بدهاليز الدستور الأميركي، ولم أتمكن من الإحاطة الشافية بهذه الدهاليز رغم كل المعارف التي تراكمت لدينا كهيئة تدريسية في جامعة القدس، من خلال مساق النظم السياسية، الذي كنا ندرّسه لطلاب الدراسات العليا في معهد الدراسات الإقليمية، وكلية العلوم السياسية.
ويبدو أن العيب لم يكن فينا بقدر ما كان ولا يزال في هذه الدهاليز بالذات، لأن الخبراء الدستوريين أنفسهم في الولايات المتحدة نفسها وخارجها طبعاً ليس لديهم مثل هذه الإحاطة أو عدد كبير منهم على الأقل.
ربما تجبرنا الأحداث في الأيام القريبة القادمة على الدخول في مناقشات مطوّلة حول هذه المسألة، وربما سيطرح هذا الدستور لمناقشات ومشادات سياسية وفكرية في الولايات المتحدة، وفي العالم إذا ما فرضت الأحداث نفسها عليه.
لكي ندرك معنى ومغزى عنوان المقال نحتاج إلى توضيح جدول الأعمال الأميركي من يومنا هذا وحتى العشرين من الشهر الحالي، وهو موعد «تسليم» السلطة والإدارة في الولايات المتحدة. غداً هو موعد الاستحقاق الانتخابي الاستكمالي لمجلس الشيوخ في ولاية جورجيا.
على نتائج هذا الاستحقاق ستتقرر معطيات ووقائع وربما حقائق جديدة، يمكن بل ومن المرجّح أن تلعب دورا كبيرا في مسار الأحداث السياسية على مدار الفترة الفاصلة بين ظهور هذه النتائج وموعد تسليم السلطة في الولايات المتحدة. لكن، بوسعنا ومنذ الآن أن نتكهن بأن فوز الجمهوريين بها سيعطي لترامب دفعة قوية وفرصة خاصة ونادرة «لاستكمال» مخططه «للانقلاب» على الانتخابات الرئاسية، ويمكن له استثمارها بإحداث «بلبلة» دستورية قد يتغير بموجبها المسار الإجرائي لتسلم وتسليم السلطة. في حين أن فشله هنا سيعقّد الأمور كثيراً أمامه.
بعد غدٍ، أي في السادس من هذا الشهر يوجد مفصل حاسم في مسار إجراءات تسلم وتسليم السلطة: وهو مصادقة المجمع الانتخابي بصورة نهائية على الانتخابات.
في العادة فإن هذه المصادقة كانت تسير بصورة روتينية. وباستثناء «المناقشات» التي جرت في العام 2000 لم يكن في هذه الجلسات الخاصة بالمصادقة على الانتخابات مشاكل تذكر، وكانت تسير وفق الروتين المعتاد.
في جلسة بعد الغد، لا يوجد مثل هذا السياق وهذه السلاسة. مصادقة المجمع الانتخابي على الانتخابات في دهاليزه عندما يتعلق الأمر باختلافات واعتراضات وطعونات، في ضوء نتائج قرارات المحاكم في الولايات وعلى صعيد المحكمة العليا هي واحدة من أحجيات الدستور الأميركي.
بهذا الصدد وارتباطاً بنتائج انتخابات جورجيا الاستكمالية لمجلس الشيوخ يمكن أن تمر المصادقة بعد عدة ساعات من المداولات ـ وليس ربع أو نصف ساعة منها ـ ويمكن أن تتعثر عملية المصادقة، ويتأجل التصويت لساعات وساعات دون أن يتمكن أحد ومنذ الآن من أن يتكهّن بها.
إذا تعطل هذا المسار لأسباب أو لأخرى تدخل البلاد في أزمة دستورية، إن لم نقل مختنق دستوري وصولاً إلى الاستعصاء الدستوري الخطير والتام.
نائب الرئيس ترامب هو الذي سيترأس الجلسة، وله دور محوري في مسار المناقشات.
هنا يُقال إن نائب الرئيس لم يعد على وفاق ولا توافق تام مع الرئيس ترامب، بسبب أن ما يطلبه الرئيس يصل إلى منع وتعطيل المصادقة، وهو أمر لا يبدو أن بنس يمكن أن يقدم عليه.
وحتى لو أن هذه الأقاويل ليست سوى إشاعات يطلقها عن عمد أنصار ترامب أو خصومه، فإن انسياق بنس وراء نزوات ترامب سيعني حتما أزمة كبيرة وخطيرة في الحزب الجمهوري، ستصل حتماً إلى انشطار الحزب، وربما إلى تشكيل حزب جديد من ترامب وأعوانه.
هنا تجدر الإشارة بصورة خاصة لتصريحات جون بولتون حول خطر ترامب على وحدة الحزب الجمهوري.
قوام حزب ترامب بات معروفا ومشخصاً. الجناح المنظم والمؤطّر من الإنجيلييين الصهاينة، حوالى 25 ـ 30% من الأصوات اليهودية التي صوتت لترامب، مقابل ما يزيد على 7% من هذه الأصوات اليهودية التي صوتت لبايدن.
إضافة إلى كل ذلك يعتقد على نطاق واسع أن «منظمات» مسلحة كثيرة تنتشر في ولايات الداخل الأميركي ذات الصبغة الريفية البيضاء المغلقة، وهي تعد بالمئات على ما يبدو عليه الأمر، وكما ينشر عنها في وسائل الإعلام.
أما في يوم الجمعة القادم فإن على المحكمة العليا الأميركية أن تبتّ في طعونات أربع ولايات وهي: بنسلفانيا، جورجيا، ميتشغان وويسكنسن.
لا توجد سوابق قانونية يمكن الاستناد إليها في قراءة الوضع الأميركي في هذه الأيام - بحدود معرفتي - في القرن العشرين، وربما لا توجد سوابق كافية للاسترشاد بها والسير على هديها في حالات مطابقة أو حتى مماثلة طوال التاريخ الأميركي كله.
فإذا تعطل مسار المصادقة فإن الأمور ستسير إلى المجهول، وإذا تمت المصادقة بصرف النظر عن المناقشات يبرز سؤال قرار المحكمة العليا، وأين سيكون مصير المصادقة إن تمت؟ أي ماذا لو وافقت المحكمة على الطعون؟
أي استحقاقات إضافية بعد قرار المحكمة العليا ستكون منوطة بما قبلها، بما في ذلك موعد العشرين من الشهر الجاري. لكن الأزمة برمّتها لا تنتهي عند هذا الحد وليس بالضرورة ضمن هذا التسلسل والسياق.
هنا يُقال إن ترامب يخطط لافتعال حرب «محدودة» مع إيران أو بوساطة شن هجمات على أدواتها في لبنان والعراق وربما أيضا تموضعاتها الكبيرة في سورية.
ويُقال أيضا إن شن حرب كهذه يمكن أن يتم بصورة مباشرة ودون ذرائع إضافية، أو بذرائع تقدم عليها وتقدمها له أطراف ثالثة جاهزة لتقديم «العون»، ومستعدة للتبرع به بكل رحابة صدر، بما في ذلك إسرائيل وبعض أعوانها في المنطقة، وبما يؤمّن الغطاء لشنها.
في هذه الحالة يعتقد ترامب أن التوقيت سيخدمه في عدم تحول هذه الهجمات المحدودة إلى حرب، ولكنها يمكن أن تضمن له إعلان حالة الطوارئ بما يصل إلى تجميد نتائج الانتخابات، وضمان بقائه لأربع سنوات قادمة.
هذا السيناريو يخدم ترامب فعلاً وربما يخدمه أكثر لو تحولت هذه الحرب إلى حرب إقليمية شاملة، لأن إعلان حالة الطوارئ في هذه الحالة وتأجيل الاعتراف بالانتخابات يصبح من واقع التحصيل الحاصل.
إذا وقع ذلك، وهو أمر ليس بالسهل ولا بالمرجح حتى الآن، فإن الفاشية تصبح أمراً واقعاً في الولايات المتحدة.
وحتى لو أنه لم يقع، فإن الفاشية ستكون وراء الباب ويدها على مقبضه مباشرة، والولايات المتحدة لن تواجه ما بعد العشرين من الشهر الجاري جائحة «كورونا»، والتردي الاقتصادي فقط، وإنما أيضا حالة داخلية تشبه المقدمات التاريخية للحرب الأهلية.
بالصدفة العجيبة.. وبالصدفة البحتة فإن إسرائيل تعيش نفس الأجواء، وتخضع لاعتبارات مماثلة، مع فارق أن الفاشية في إسرائيل تجلس على حافة النافذة وليس مباشرة خلف الباب بعد.