2.jpg
2.jpg

في يوم البيئة العالمي... هل يمكن إصلاح النظام البيئي؟

في ظل تواصل تفاعل الإنسان مع النظام البيئي ومن ضمنهم البشر الذين هم جزء من هذا النظام، وما أفرز ويفرز ذلك من صراعات ومنافسات وثقافات وحضارات وحروب وانهيار دول وحضارات، صادف في الخامس من حزيران ما يعرف بـ»اليوم العالمي للبيئة»، حيث بدأ الاحتفال بهذا اليوم منذ العام 1972، بناء على قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين تم عقد أول مؤتمر للأمم المتحدة يُعنى بالبيئة البشرية في دولة السويد، ومنذ ذلك اليوم، يتم الاحتفال بهذا اليوم، في كل عام مع التركيز على موضوع بيئي محدد.
وكان الهدف من تخصيص يوم للبيئة على مستوى العالم هو زيادة التوعية بأهمية البيئة وضرورة الحفاظ عليها، وكان شعار هذا العام 2021 «إصلاح أو إعادة الاعتبار أو التشكل الطبيعي للنظام البيئي العالمي»، الذي تداعى وما زال يتداعى بفعل نشاطات البشر المختلفة، التي تتم دون ضوابط أو دون أخذ النظام البيئي بعين الاعتبار.
حيث يأتي هذا اليوم، في ظل تغيرات مناخية بيئية عالمية مقلقة، تتمثل في ارتفاع حرارة الأرض وزيادة منسوب مياه المحيطات بسبب ذوبان الجليد، وقلة الأمطار، وزيادة شدة الأعاصير والفيضانات والتصحر أي عدم القدرة على زراعة التربة لمحاصيل تم الاعتياد عليها، والحرائق والتلوث وما الى ذلك من تداعيات بيئية بعيدة المدى على العالم والعالم العربي ونحن في فلسطين جزء لا يتجزأ منه.
ومر يوم البيئة العالمي هذا العام، في ظل تغيرات بيئية عالمية، بسبب تغاضي دول عديدة ومنها الدول الصناعية الكبرى عن إعطاء الأولوية للبيئة وحمايتها، وخاصة خلال عملية النمو الاقتصادي الكبير والمتواصل، حيث بدأت دول كثيرة تلمس الآثار الكارثية على البيئة، فنفايات المصانع ودخانها والمخلفات العشوائية للبنايات أدت الى تلوث الهواء والمياه والتربة.
وأصبح لا يمكن السير في شوارع في بعض المدن العالمية الكبرى دون كمامات، او شرب المياه إلا معبأة او باستخدام فلتر، وملاحظة الآثار البيئية والصحية الوخيمة التي أحدثها ويحدثها الاستخدام المكثف للمواد الكيميائية في الزراعة من مبيدات وأسمدة وبلاستيك، حيث تنتشر فيها أمراض السرطان والتشوهات الخلقية بشكل متزايد.
وجاء يوم البيئة العالمي في العام 2021، في ظل ما يشهده العالم هذه الأيام من ظواهر متطرفة أو على الأقل ظواهر غير اعتيادية في حدتها وتوقيتها وصعوبة التعامل معها، وربما نكون قد شهدنا مثل ظواهر كهذه في الماضي، ولكن ليست بنفس الشدة والتكرار، والاهم محاولة العلماء والباحثين والمختصين ربطها مع ظواهر مناخية بيئية ساهم الإنسان بشكل مباشر وغير مباشر في الوصول إليها، ومن أهم هذه الظواهر ما بات يعرف بظاهرة «التغير المناخي»، أو «البيت الزجاجي» وانعكاساتها، والتي ترتبط بشكل مباشر بالتلوث وبالأخص تلوث الهواء في الجو بما تبثه نشاطات الإنسان الى طبقات الجو، ما يسبب تراكما لمواد كيميائية لم نشهده من قبل خلال مئات أو الآلاف من السنين.
وفي فلسطين، ومن أجل الحفاظ على البيئة وبالأخص في قطاع غزة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، من المفترض أن يكون أولوية وطنية في خطط التنمية الفلسطينية البشرية والاقتصادية، لأن من سمات البيئة الفلسطينية ان المصادر الطبيعية، من مياه وارض وحيز هي مصادر محدودة، وان المساحة الجغرافية ضيقة وتضيق باستمرار، وان كثافة البشر في تلك البقعة مرتفعة وربما من أعلى النسب في العالم وخاصة في قطاع غزة، وما لذلك من تداعيات بيئية، أن لم نلمس آثارها، الآن، فسوف يكون بعد فترة.
وفي ظل الدعوة لإعادة الاعتبار للنظام البيئي العالمي وعندنا، ما زلنا نرى النفايات في الشوارع، وما زلنا نستخدم المبيدات الكيميائية بشكل مكثف وفي أحيان بشكل غير امن أو سليم، وما زالت مياه المجاري وليست فقط المياه العادمة المكررة، تصب في بحر غزة مثلا، وأصبحت مياه غزة الجوفية مالحة وربما ملوثة، وما زالت التقارير تشير الى ان اكثر من 95% من المياه في غزة ملوثة، هذا قبل العدوان الأخير الذي صب الآلاف من المواد الكيميائية من المتفجرات وغيرها على نظام غزة البيئي.
وبالإضافة الى ذلك ما زالت المستوطنات الإسرائيلية تساهم بشكل او بآخر في تلويث وتشويه البيئة الفلسطينية، حيث ما زالت مجاري المستوطنات والمياه العادمة تصب في قرى سلفيت وبيت لحم والخليل ورام الله، وما لذلك من تداعيات قصيرة وبعيدة المدى متواصلة على البيئة الفلسطينية.
وفي ظل الدعوة الى إعادة الاعتبار للنظام البيئي العالمي ولو بشكل تدريجي، وفي النظر الى الأولويات البيئية العربية وبالتحديد الفلسطينية، فإننا نحتاج الى تطبيق حازم للقوانين الفلسطينية المتعلقة بحماية البيئة، سواء أكان قانون البيئة الفلسطيني لعام 1999، او قانون الصحة العامة المتعلق بالبيئة، او قانون حماية المستهلك الفلسطيني، بشكل يعطي الغرض من إصدار مثل قوانين كهذه، وبأن تتم محاسبة وبشكل رادع من يلوث البيئة بالنفايات الصلبة، او بالمياه العادمة، او من يلوث الهواء بالغازات والمواد الكيميائية، او يلوث المياه الجوفية بالأسمدة، او يلوث المنتجات الزراعية بالمبيدات، وما الى ذلك، وبحيث تطبق القوانين بأيدي الشرطة او سلطة البيئة او البلديات والهيئات المحلية.
ونحتاج كذلك الى تكثيف جهود كافة العاملين في مجال حماية البيئة، سواء أكانوا من الجهات الرسمية او غير الرسمية في بلادنا، وكذلك الجهات العربية العاملة في مجال حماية البيئة، والمنظمات الدولية العاملة في مجال البيئة، من أجل اتخاذ إجراءات عملية للحد من احتمال وقوع كارثة بيئية وصحية بعيدة المدى، وبالأخص في قطاع غزة هذه الأيام، وذلك نتيجة الدمار الهائل للبنية التحتية وتلوث المياه والطعام والهواء، واستنزاف الموارد الطبيعية المحدودة في القطاع.
وهناك حاجة ماسة الى خطة عمل بيئية وطنية عملية، تعتمد على الحقائق لتحديد متطلبات التدخل، وهذا يعني إجراء الفحوص لعينات بيئية من خلال مختبرات مؤهلة سواء أكانت تتبع جهات رسمية او غير رسمية، ومن خلال دراسات تقييم علمي وموضوعي للأثر البيئي لمشاريع او لأعمال يمكن ان تؤثر على البيئة، ومن خلال تفعيل المراقبة والمتابعة لقضايا بيئية، ومن خلال تفعيل العلاقة والتواصل مع المواطن الفلسطيني الذي هو الأساس في العمل من اجل حماية البيئة التي يحيا فيها.
وللحفاظ على النظام البيئي بشكل مستدام، وكما نجحت في ذلك دول في العالم وبالأخص الأوروبية منها وعلى رأسها ألمانيا، نحتاج الى بناء ثقافة حماية البيئة وبشكل مستدام، وهذا يتطلب التركيز على تنمية الوعي البيئي، في المدارس والجامعات وفي المصانع وورشات العمل وفي الحقول الزراعية، ويتطلب الاستثمار وبشكل عملي في التعليم البيئي وخاصة في الجامعات، بشكل يلائم احتياجات البيئة الفلسطينية، والتعاون مع مراكز الأبحاث البيئية في جامعاتنا وفي محيطنا العربي.
وذلك من اجل إيجاد حلول لمشاكل البيئة المحلية، وكذلك الاستخدام الأكثر للإعلام وبأشكاله في مجال البيئة، والاهم ترسيخ مفاهيم البيئة وأهمية حمايتها وفهمها كأولوية وطنية، ليس فقط تعتمد عليها أي خطة تنمية بشرية او اقتصادية مرحلية، ولكن لا يمكن العيش حياة سليمة عادية في هذه البيئة إذا كانت ملوثة او غير محمية من التلوث، ولكي يبقى النظام البيئي جزءا أساسيا من بناء الثقافات والحضارات من خلال تشكيله الحيز، لكي يتفاعل بنو البشر معه ومع بعضهم البعض.