أشرف العجرمي 2.jpeg
أشرف العجرمي 2.jpeg

إسرائيل اليوم: الصراع بين صهيونيتين

الصهيونية تعبير عن حركة أيديولوجية استعمارية نشأت في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي على أساس عودة اليهود إلى أرض صهيون (نسبة إلى جبل صهيون في القدس) بناء على نصوص التوراة، والحديث هنا يدور عن فلسطين المسماة "أرض الميعاد" ولاحقاً "أرض إسرائيل"، وقد أقرّ اسم "الصهيونية" في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقده ثيودور زئيف هرتسل في مدينة بازل في سويسرا في العام 1897. ومنذ حصول الصهاينة على وعد بلفور في العام 1917، بدأ تطبيق فكرة إقامة "وطن قومي" لليهود في فلسطين. وكانت الحركة التي أسسها هرتسل علمانية ليبرالية مرتبطة بمفاهيم الغرب الاستعماري وجزءاً منه. وقد كتب الكثير عن الحركة الصهيونية التي اعتبرت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379، الذي اعتمد في 10 تشرين الثاني 1975، أنها "شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري". لكن ألغي هذا القرار بموجب القرار 46/86 يوم 16 كانون الأول 1991؛ إذ اشترطت إسرائيل إلغاء القرار 3379 لقبولها المشاركة في مؤتمر مدريد 1991.
ولم تكن الصهيونية حركة واحدة متجانسة، وظهرت منها أشكال عديدة بعضها تمحور حول المفهوم العلماني، وإن اختلفت فيما بينها على طرق تحقيق المشروع يميناً أو يساراً مثل الصهيونية السياسية والصهيونية العملية والصهيونية العمالية، أو الصهيونية الاستيطانية والصهيونية الداعمة من الخارج، وغيرها من التسميات التي لم تكن محددة بدقة. والبعض الآخر ذهب باتجاه الدين فيما سمّي الصهيونية الدينية التي تعود جذورها إلى النصف الثاني من القرن التي كانت تدعو للهجرة إلى فلسطين من منطلق ديني وإقامة "مملكة الرب" وتحقيق فكرة "الأمة المقدسة" فيها. وهذا التيار كان يعارض فكرة الدولة العلمانية الليبرالية التي كان يدعو هرتسل لإقامتها، والتي قامت فعلاً بعد قرار التقسيم على يد دافيد بن غوريون، ولكنه أيّد مبدأ إقامة الدولة اليهودية، وظل يقاتل من أجل تحويلها من صهيونية - علمانية إلى صهيونية - دينية.
والتيار الصهيوني - الديني هو كما التيار الصهيوني- العلماني على نقيض من الأصولية اليهودية، فكلاهما يستعجل قيام دولة اليهود بشكل يناقض مشيئة الله، حسب اعتقاد اليهودية الأصولية التي تربط قيام كيان اليهود بعودة "المشيح" الذي يجمع اليهود في "أرض الميعاد". ولا يعتبر الأصوليون اليهود دولة إسرائيل بشكلها الحالي ومنذ إقامتها دولة يهودية. ومع ذلك اندمج الجميع في إطار دولة إسرائيل ويتصارعون فيما بينهم على السلطة والنفوذ. والصراع الأهم هو حول صبغة الصهيونية التي تحكم الدولة، وهو بين الاتجاهين الصهيونيين العلماني والديني.
والصهيونية - الدينية هي أكثر أشكال الصهيونية تطرفاً وعداءً للفلسطينيين، وهي بشكل مبدئي ترفض فكرة أي حل وسط بين إسرائيل والفلسطينيين، حتى بعض الأفكار الهزيلة كدولة مسخ أو مجزأة أو حكم ذاتي بصلاحيات على الأرض، وترفض اتفاق "أوسلو" وتعادي السلطة الفلسطينية وأي تفكير بسيطرة الفلسطينيين على أي جزء من فلسطين التاريخية؛ على اعتبار أنها كلها "أرض إسرائيل" وهي ملك "للشعب اليهودي" منحه إياها الرب ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها. وهي التي تسيطر على حركات الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وتبذل كل ما تستطيع لمنع أي تواصل بين المناطق الفلسطينية لقتل فكرة الوطن الفلسطيني.
وتنتمي معظم الحركات اليهودية المتطرفة والإرهابية لهذا التيار، مثل: حركة "غوش إيمونيم"، و"أمناء الهيكل"، و"عطيرت كوهانيم"، و"كهانا حي"، و"التنظيم اليهودي المقاتل أيال"، وعصابة "شارة ثمن"، و"إحياء الهيكل"، و"حراس الهيكل"، وحركة "مواطنون من أجل يشع (يهودا والسامرة وغزة)"، وحركة "كاخ"، و"إسرائيل الفتاة"، و"إعادة التاج"، وغيرها من التشكيلات المتطرفة والعنيفة التي غالبيتها تمارس الإرهاب ضد الفلسطينيين. وهؤلاء اليوم ممثلون في الكنيست بصورة شرعية من خلال قائمة "الصهيونية- الدينية" وتضم ثلاثة أحزاب صهيونية يمينية فاشية، هي: حزب "الاتحاد الوطني- تكوما" بقيادة بتسلئيل سموتريتش الذي يترأس القائمة، وحزب "عوتسما يهوديت" بقيادة إيتمار بن غفير، وحزب "نوعام" بقيادة آفي ماعوز.  وأيضاً حزب "يمينا" الذي يقوده رئيس الحكومة نفتالي بينت ووزيرة الداخلية أيليت شاكيد.
والصراع بين الصهيونية العلمانية التي تتبنى فكرة الدولة "اليهودية الديمقراطية" التي تساوي بين مواطنيها من الناحية النظرية، وبين الصهيونية - الدينية، حسم بشكل كبير لصالح الأخيرة خلال السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة التي تولى فيها بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة منذ العام 2009، خاصة بعد تشكيل حكومات تعتمد على هؤلاء الذين يعتبرونه زعيمهم. ويمثل قانون "القومية" قمة التحول في هذا الصراع، كما أن استمرار المشروع الاستيطاني المكثف في الضفة الغربية وعملية تهويد القدس هو التعبير الأبرز عن نجاح الصهيونية الدينية ومشروعها المتطرف. ومع ذلك لا تزال نخب إسرائيلية واسعة تنظر بخطورة بالغة لهذا الفكر الذي يقضي في نهاية المطاف على حلم "الدولة اليهودية"، وذلك من خلال السيطرة على كامل الأراضي المحتلة واعتبارها جزءاً من إسرائيل الكبرى، وبذلك تتحول إلى دولة أبارتهايد، وفي أفضل الأحوال دولة ثنائية القومية أو دولة لكل مواطنيها. وهؤلاء الذين يعاضون فكرة الضم ويؤيدون حلّ الدولتين في الواقع هم شركاء للفلسطينيين في نضال مشترك ضد الاستيطان والاحتلال والضم.