أشرف العجرمي.jpg
أشرف العجرمي.jpg

القدس: اختلاف يهودي والصراع على الهوية

منذ سنوات طويلة تشهد مدينة القدس المحتلة صراعاً حول هويتها القومية والدينية. وفي إطار هذا الصراع، الذي احتدم بعد سيطرة اليمين المتطرف على الحكم والذي تلعب الصهيونية - الدينية دور المقرر فيه، أصبحت فكرة السيطرة على الحرم القدسي وتقسيمه على غرار ما حصل في الحرم الإبراهيمي بعد مجزرة غولدشتاين، هي التي تحرك المجموعات اليهودية العنصرية المتطرفة التي تكثف اقتحاماتها الاستفزازية لباحات الأقصى. وتتمحور جهود العملية التهويدية حول خلق مكان خاص باليهود في باحة الحرم القدسي لأداء الصلوات؛ فيه تمهيداً لبناء الهيكل الثالث المزعوم مكان الأقصى. ويراد من الزيارات المتواصلة تثبيت هذه الفكرة وتثبيت حق اليهود في المكان.
ويمكن تقسيم الإسرائيليين اليهود إلى أربعة أقسام تبعاً لموقفهم من القدس وبالذات من الحرم القدسي. القسم الأول هم الأصوليون، الذين يرفضون فكرة الدخول إلى باحات الأقصى ويرون في زيارة اليهود لهذا المكان تدنيساً له. وهؤلاء يعتقدون أن الهيكل ينزل من السماء ويحدد الله مكان وزمان نزوله، ومن ناحيتهم لا تقوم دولة اليهود إلا مع نزول "المشيح" الذي يجمع اليهود في البلاد المقدسة. وهناك حوالى مائة حاخام من اليهود الأصوليين أصدروا فتوى بمنع أتباعهم وتحريم دخولهم للحرم القدسي.
والقسم الثاني هم أتباع الصهيونية - الدينية الذين يناقضون الأصوليين في مسألة انتظار قرار الرب وإرادته، ويذهبون إلى تنفيذ ما وعد به عملياً من خلال قيامهم ببناء الهيكل الذي يزعمون أن المسجد الأقصى يقع مكانه. على الرغم من أن كل الحفريات الأثرية التي قامت بها إسرائيل وبعثات دولية كثيرة لم تجد ما يسند هذا الادعاء. وهذه الفئة من أخطر الأعداء للفلسطينيين وللأقصى ولفكرة السلام والتعايش المستقبلي في إطار دولتين.
والمجموعة الثالثة، هي غالبية المواطنين اليهود الذين يهتمون بالصلاة في ساحة حائط البراق، ولا يعنيهم الأقصى وبعضهم يزورون المكان كسائحين فقط وتختلف نظرتهم للمكان الذي يعتبرونه مقدساً ولكن ليس بالضرورة إلى درجة هدم الأقصى وبناء الهيكل مكانه. وهؤلاء يتأثرون بالمناخ السائد في إسرائيل وبالخطاب الإعلامي المتشدد، ومع ذلك هم ينظرون لكل هذا الموضوع في إطار ما يعتقدون أنه حق اليهود في زيارة المكان، وضمان حرية الوصول إليه، وربما أهمية بقاء القدس تحت السيطرة الإسرائيلية. ولكن يمكن لغالبية هذه الفئة أن تقبل تقسيم القدس في إطار حل سياسي.
أما القسم الرابع من اليهود الإسرائيليين فهم الأقلية اليسارية التي لا تقيم وزناً للادعاءات الدينية وترى في موقف الصهيونية - الدينية خطراً على دولة إسرائيل وعلى قدرتها على الحفاظ على الأغلبية اليهودية. وهم يوافقون على بقاء السيطرة الإسرائيلية على ساحة البراق وقسم من البلدة القديمة ومنح الفلسطينيين سيادة على الحرم القدسي والجزء الأكبر من البلدة القديمة والقدس الشرقية. واليسار الصهيوني الذي ينحصر في حركة "ميرتس" وجزء من حزب "العمل"، وشخصيات تنتمي لمنظمات المجتمع المدني يؤيد حل الدولتين على حدود العام 1967 وتبادلاً للأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
عملياً، يمثل موقف الصهيونية - الدينية موقف الأقلية في إسرائيل، ولكنه يتمتع بقوة كبيرة في الحكم وفي تصميم الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي. ومن الجدير بالذكر هنا أن رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينيت ينتمي لهذا التيار المتطرف. ولكن أخطر الشخصيات التي دعمت ومكّنت الصهيونية - الدينية في إسرائيل هو بنيامين نتنياهو الذي يترأس حزب "الليكود" اليميني. مع أن هذا الحزب من المفروض أن يكون حزباً يمينياً ليبرالياً، إلا أنه تحول إلى حزب مختلط يلعب المستوطنون دوراً مهماً فيه وللصهيونية - الدينية مكان مؤثر بين أعضائه وقياداته. وهو ينافس التيارات الأكثر تطرفاً على جمهور اليمين ويسابقها في إبداء المواقف المتشددة، سواء فيما يتعلق باستمرار المشروع الاستيطاني وقطع الطريق على فكرة التسوية السياسية القائمة على مبدأ حل الدولتين، أو في العنصرية والتشدد القومي - الديني حتى تجاه قطاعات اليهود الذي لا ينسجم موقفهم مع مواقف اليمين.
من المهم أن تستمر المعركة حول مستقبل القدس وهويتها الوطنية الفلسطينية ببعدَيها الإسلامي والمسيحي، وأن تتركز هذه المعركة في القدس نفسها وتدعم من كل الفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية، حيث أماكن الاحتكاك مع المستوطنين وجيش الاحتلال. ومن المهم أيضاً أن يكون طابع هذه المعركة شعبياً سلمياً يحظى بدعم وإسناد عربي ودولي واسعَي النطاق. ولهذا يجب ألا تغطي أي مواجهة على الحرب الحقيقية التي عنوانها التهويد والاستيلاء على الأرض، ومنع الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية المشروعة في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة.