رجب أبو سرية 2.jpg
رجب أبو سرية 2.jpg

55 سنة وما زال الاحتلال مستمراً!

حلت، أول من أمس، ذكرى حرب حزيران من العام 1967، والتي نتج عنها احتلال إسرائيل لأراضي ثلاث دول عربية، كان من بينها أرض فلسطين كاملة، وبذلك يكون قد مر على احتلال إسرائيل لأرض دولة فلسطين والجولان السوري خمسة وخمسون عاما بالتمام والكمال، وهذا يعادل نحو ثلاثة أرباع أو ما يقارب من 75% من عمر دولة إسرائيل نفسها، والتي تكون بذلك قد التصقت بها صفة دولة الاحتلال بشكل مناسب تماما، دون أي مبالغة، وبما ينعكس على سيكولوجيا الإسرائيليين بشكل عام، فيما نشاهده ونتابعه هذه الأيام من ممارسة للتطرف على الأساس القومي، المعبر عن كراهية الآخر، فضلا عن التعايش معه، وبشكل عنصري متزايد في حدّته وفي سفوره كلما مر الوقت، دون أن يجري وضع حد لاحتلال إسرائيل لأرض الغير.  
بالعودة إلى الخامس من حزيران يمكن القول أولا، إن مياها كثيرة قد مرت في نهر الحياة، وقبل كل شيء لا بد من التذكير بأن الصراع كان بين إسرائيل من جهة ودول الجوار العربي من جهة ثانية، وحرب العام 67 قد اندلعت بين إسرائيل وكل من مصر وسورية والأردن، واستمرت ستة أيام فقط، نجحت إسرائيل ــ التي كانت تدعي بأنها تدافع عن نفسها وتسمي الحروب التي تقوم بشنها على الدول التي تجاورها، بالحروب الدفاعية، رغم أنها هي التي تبدأ الحرب، وهي التي تحقق «النصر» فيها ــ خلالها باحتلال ما يعادل ثلاثة أضعاف مساحتها التي أعلنت عليها دولتها العام 1948، فحرب حزيران 67، التي سماها العرب بعد أن خسروها نكسة حزيران نجم عنها احتلال إسرائيل لكل من سيناء وقطاع غزة، من مصر، والجولان من سورية، والضفة الغربية بما فيها القدس بالطبع ــ درة العواصم العربية، من الأردن.
أي أن إسرائيل بعد أن احتلت نصف أرض فلسطين التاريخية بحدودها وفق قرار التقسيم العام 1948، بعد أن خاضت حربا مع ما سمي جيش الإنقاذ العربي، قامت باحتلال ما تبقى من أرض فلسطين، وليس من الفلسطينيين مباشرة، بل من كل من الأردن ومصر، اللتين كانت الضفة الغربية وقطاع غزة تخضع لحكميهما، وقد استعادت مصر سيناء بعد اتفاقيات كامب ديفيد التي وقعتها مع إسرائيل العام 1978، وبقي قطاع غزة محتلا، إلى أن انسحبت إسرائيل منه من طرف واحد العام 2005، أما الضفة الغربية والقدس فقد بقيت محتلة حتى الآن، وفي حقيقة الأمر فإن نكسة حزيران كان من نتيجتها أن حمل الشعب الفلسطيني ممثلا بفصائل العمل الوطني التي أطلقت الكفاح المسلح وانتصرت في معركة الكرامة 1968، قضيته بنفسه، ولم يعد تمثيله أو الناطق باسمه عبر أي أحد آخر.
أي أنه رغم أن إسرائيل انتصرت في حرب حزيران، إلا أن حربها لم تعد مع الجوار العربي، ولم يعد الصراع صراعا حدوديا بينها وبين جيرانها، بل تحول إلى حرب استقلال من طرف الشعب الفلسطيني، وحرب لإنهاء الاحتلال، فيما وجدت إسرائيل نفسها تحارب من أجل الإبقاء على احتلالها الذي هو في أحد أهم دوافعه منع قيام دولة فلسطين المستقلة، خاصة ما بين البحر والنهر، أي أن الصراع وإن كان بقي من أجل تحرير الأرض المحتلة منذ حزيران العام 67، إلا أنه أخذ بعدا إضافيا، وهو أن يتلازم تحرير الأرض وإنهاء الاحتلال بقيام دولة فلسطين المستقلة، وهكذا فإن أحدا لم يعد يتوقع أن يتم التوصل لحل سياسي، دون مقاومة الاحتلال، ذلك أن تحرير أرض لدولة قائمة قد يجري من خلال مفاوضات بين الدولتين، أو بعد حرب بينهما، أما حرب الاستقلال بين شعب أرض دولته محتلة بالكامل، ومحتل استعماري، فلا بد أن تكون حرب الاستقلال عبارة عن مقاومة شعبية طويلة الأمد، كما حدث مع كل الشعوب والدول التي استقلت عن الاستعمار بشكله القديم المعروف.  
وخلال تلك العقود الخمسة والنصف منذ احتلال أرض دولة فلسطين إلى اليوم، سار الشعب الفلسطيني على طريق المقاومة حتى نجح بشكل تام خلال عقد السبعينيات في فرض تمثيله لنفسه بنفسه، ومن تثبيت حقيقة كونه شعبا له حق تقرير المصير بإقامة دولته الخاصة المستقلة، على أرض ترابه الوطني، وكانت رافعة ذلك الكفاح المسلح الذي خاضته فصائل «م. ت. ف» حتى مطلع الثمانينيات، وبالتحديد إلى أن اندلعت الانتفاضة العام 1987، حينها انتقلت حرب الاستقلال الوطني لداخل الوطن، وبما فرض على إسرائيل أن توقع اتفاقية الحل الانتقالي مع الشعب الفلسطيني دون وصي أو وسيط، وهذا عزز من قناعة العالم بالحق الفلسطيني بتقرير المصير وقيام الدولة المستقلة.  
وقد جاء ظهور العامل الفلسطيني الذاتي بعد حزيران 67، في وقته، فسرعان ما تنصل النظام العربي بمجمله من مهمة أو مسؤولية تحرير فلسطين، وبات يكتفي بدعم كلامي لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وكأنه مثل أي نظام محايد في العالم، والقضية الفلسطينية التي مرت بمرحلتين حادتين، كانت الأولى قيام إسرائيل نفسها العام 1948، بعد أن تم إرساء البنية التحتية لقيامها خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، أي ما بين عامي  1918 ــ 1948، والثانية كانت خلال الحرب الباردة، أي احتلال ما تبقى من أرض دولة فلسطين العام 1967، وتأثرت كثيرا بالصراعات الدولية. حيث يمكن القول، إن فلسطين كانت ضحية الحروب الكونية والصراعات الإقليمية، وهي ما زالت تواجه معادلة القوة الإقليمية وتحالف إسرائيل مع الغرب وبالتحديد مع الولايات المتحدة، التي ما زالت تحمي إسرائيل من المساءلة الدولية، فضلا عن الضغط من اجل إنهاء احتلالها لأرض دولة فلسطين.
أما العقود الثلاثة الأخيرة فرغم أنها بدأت بالاتفاق الانتقالي للحل، إلا أن تراجع إسرائيل فورا عنه وذلك باغتيال اسحق رابين ومن ثم إسقاط اليسار الذي وقع على الاتفاق والتحول نحو اليمين بشكل ثابت خلال تلك العقود، كان من نتيجة كسب الولايات المتحدة للحرب الباردة، وتراجع الدعم الدولي لحركة التحرر والتي كانت «م. ت. ف» هي حامل لوائها، وهكذا فإن السنوات الأخيرة قد شهدت تطرف اليمين الإسرائيلي، الذي بدأ يفكر جديا في ضم الأرض المحتلة الفلسطينية بشكل نهائي، وقطع الطريق نهائيا على فكرة دولة فلسطين المستقلة، وقد وجد عقدة المنشار في القدس وبالتحديد في المسجد الأقصى، لذا لم يكن دون معنى أن ينخرط في الميدان الاحتلالي المستوطنون يجوبون أرض الضفة الغربية لأسرلتها، والمتدينون يقتحمون بشكل متتابع الحرم القدسي لتهويده، وكل هذا يجري بحماية ودعم الجيش والشرطة الإسرائيلية، وكل ذلك خشية أن تمر اللحظة الحالية، وتحل لحظة تالية يتغير فيها النظام الكوني، الذي ظل عاملا حاسما في قيام إسرائيل وفي بقاء احتلالها لأرض دولة فلسطين كل هذه السنين، دون أن يقوم العالم بوضع حد لآخر وأسوأ احتلال ظهر في العالم في القرن العشرين.