رامي مهداوي
رامي مهداوي

"هـذا الـبـحـر لـي"

بقلم / رامي مهداوي
المكان: ميناء غزة
اليوم: الخميس
الموافق: 27-10-2022
الساعة: 7:15 صباحاً
صعدت على أحد المراكب البحرية المُزينة بالأعلام الفلسطينية، على الرغم من هدوء الموج، لكن كان هناك شعور غريب بداخلي جعلني أفقد التوازن للحظات وأنا أضع قدمَيّ بداخل المركب ما جعلني أحتضن سارية علمنا الفلسطيني لأستند عليها وأقف كأي قبطان مُتمرس يُروض مركبه في مواجهة الريح والموج.
استنشقت الهواء بنفس عميق لدرجة تمازجت به جميع الحواس بملوحة البحر، بصوته بلمعانه برائحة زبده، لتنطلق الرحلة بعرض البحر وأشاهد على سطح الماء زوارق صغيرة يجمع من عليها شباكهم لجمع محصولهم من خيرات مختلفة سمك «الجربيدن» و»الصلبية» و»السلطان الأحمر» و»الحباري» و»المرمير» المهدد بالاختفاء، و»السردينة» و»المبرومة»  و»الجربيدن الهجين».
ووفقاً لبيانات وزارة الزراعة والثروة السمكية، يبلغ عدد القوارب المخصصة للصيد في جميع محافظات قطاع غزة نحو 2500 سفينة، ويبحر عليها أكثر من 10 آلاف صياد، بينهم 4 آلاف مسجلين لدى نقابة الصيادين، لكن جميع السفن بحاجة إلى صيانة وإصلاح، حتى تلك التي تبدو أنها جيدة!!
بناءً على معلومات اتحاد لجان الصيادين، فإن البحرية الإسرائيلية نفذت ما يقارب من 302 اعتداء على الصيادين خلال العام 2021، نتج عنها مقتل 3 صيادين، إضافة إلى اعتقال 11 آخرين وتدمير شباك ومعدات صيد بالمئات، وكذلك جرى احتجاز عدد من القوارب وهي غير معلومة العدد.
أنظر إلى الشاطئ لتقدير كم ابتعدنا عنه، لأجد منظرا لا أستطيع وصفه بالكلمات، إنها غزة يا سادة من زاوية مشهد لم أشاهده بها من قبل، فهي بكامل زينتها ومكوناتها المختلفة، بكافة تناقضاتها وتكاملها، من مختلف نسبية تدرج اللون الأبيض ليصل إلى الأسود، ما تنبض به من حياة وموت، من الحداثة والرجعية، من التحدي والاستعداد لكل مواجهة مهما كان سببها.. طبيعية، سياسية، اقتصاد فهي تعلم جيداً بأنه لا مفر من ذلك، لذلك قامت بفك شيفرة قصيدة «سقط القناع «لسيد الكلمة محمود درويش لتتم ترجمة الكلمات لأفعال: حاصر حصارك لا مفر.

أستذكر من علمني حب البحر ــ وأشياء أخرى ــ بكلماته الأديب والروائي السوري البارز الراحل حنا مينة عندما قال: إن «البحر كان دائما مصدر إلهامي، حتى إن معظم أعمالي مبللة بمياه موجه الصاخب» لا أعلم من هو مُبلل بمن؟ هل البحر مبلل بدموع أهل غزة؟ أم هل دموع أهل غزة مبللة بالبحر؟»
يأخذني هذا التفكير إلى أبناء قطاع غزة الذين لقوا حتفهم غرقا قبل أيام؛ أثناء محاولتهم الهجرة إلى إيطاليا من الأراضي الليبية، حيث غرق مركبهم في مياه البحر قبالة السواحل التونسية. من خلال محرك البحث «غوغل» أكتشف أن أكثر من 360 فلسطينيا من غزة فقدوا أو توفوا في البحر خلال محاولات اللجوء والهجرة منذ 2014.
أستفيق من تفكيري برنين «الموبايل» معلناً وصول رسالة قادمة من وكالة معاً الإخبارية «انقطاع الاتصال بقارب صيد بعد مهاجمته من بحرية الاحتلال ببحر شمال غزة»، نقرر عدم العودة إلى الشاطئ، فهذا البحر لي.