رجب أبو سرية 2.jpg
رجب أبو سرية 2.jpg

بعد درعي هل يأتي الدور على نتنياهو ؟

لا يمكن الفصل بين جنوح إسرائيل للتطرف اليميني وبين شخص بنيامين نتنياهو، الرجل الذي قاد إسرائيل منذ أكثر من ثلاثة عقود باتجاه معاكس لعملية السلام، التي انطلقت في عهد آخر حكومة حقيقية لليسار الإسرائيلي، ولم ينجح نتنياهو فقط في إبقاء العملية تراوح مكانها، دون تحقيق أهدافها بعيدة المدى، متمثلة بإرساء دعائم السلام الدائم، بالتوصل للحل الذي كان منشوداً حول ملفات الوضع النهائي، كما سميت حينها، بل إنه أوقف حتى التفاوض بشأنها منذ العام 2014، كذلك أبقى على ما تحقق بفضل تلك العملية في أضيق الحدود، أي بقاء سلطة الحكم الذاتي دون أن تصل إلى حدود الدولة، بل وحاصرها، ثم شرعت قواته لاحقاً في قضم صلاحياتها، خاصة تلك الخاصة بولايتها الأمنية على ما سمي بالمناطق أ.  
ونتنياهو هو الذي آزر وشد من عضد من هم على يمين اليمين، خلال حكمه المتواصل منذ 2009، فهو ساعد ممثلي المستوطنين للدخول إلى الكنيست ممثلين بالبيت اليهودي، ومنحهم حقائب وزارية، وصولاً إلى تولي صنيعته نفتالي بينيت رئاسة الحكومة، وها هو يدخل اليمين العنصري الإرهابي ممثلا بالصهيونية الدينية للكنيست، بل ويمنح قادته مناصب وزارية في غاية الأهمية، ويسلمهم عملياً مقاليد سلطة الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، بما يعني تماماً إغلاق ملف الحل السياسي، بتأبيد الاحتلال، وبالطبع دون ذلك شلال من الدم، وحرب طاحنة تقبع وراء الباب، ولا يتصل الأمر فقط بتوالي فصول "كاسر الأمواج" المستمر منذ عام، بل تواصل القوات الإسرائيلية التي تتلقى أوامرها من ايتمار بن غفير وبتسئليل سموتريتش، قتل الشبان والمواطنين الفلسطينيين بشكل يومي، وبأكثر من حالة يومياً.
والحقيقة أن نتنياهو بجره إسرائيل من موقع اليمين السياسي إلى اليمين المتطرف، ومن ثم اليمين العنصري، لم يقتصر على إغلاق ملف الحل السياسي مع الجانب الفلسطيني، ولا مع عدم وجود النية لإنهاء الاحتلال، وحسب، بل مارس القضم المتواصل للحياة المدنية داخل إسرائيل، بتعزيز مظاهر العنصرية تحت يافطة "يهودية الدولة" والتي لم تقتصر بدورها على الفصل بين مواطني الدولة اليهود عن غيرهم من الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين ودروزاً، بل شيئاً فشيئاً تحول الشعار إلى أن يعني باليهود، المتدينين حصراً، وذلك بحكم مشاركة الأحزاب اليهودية الدينية في حكومات نتنياهو المتعاقبة، ومعروف بأن الحزب الديني، مهما أظهر من اعتدال يبقى حزباً طائفياً، لأنه يقتصر في عضويته على أبناء طائفة بعينها، ولا يفتح أبوابه لكافة المواطنين، وهكذا ترجمة شعار يهودية الدولة التي كانت تعني تحول إسرائيل من دولة مدنية إلى دولة دينية.  
بالطبع واجه نتنياهو في جره إسرائيل إلى هذا المنحى معارضات متتالية، كان أولها بالطبع مواجهة اليسار المسؤول عن توقيع أوسلو، بما دفعه لدائرة التآكل التدريجي، فلم تشهد إسرائيل تبادلاً للسلطة منذ أكثر من عقدين، كما كان حالها من قبل، أي أنها لم تعد عمليا تلك الدولة الديمقراطية التي كانوا يحرصون على إظهارها، وفي الكنيست الحالي لم يجتز ميرتس نسبة الحسم، كما أن حزب العمل صار حزباً صغيراً جداً، بالكاد تمثل بأربعة مقاعد فقط، وهكذا انتقلت المعارضة السياسية منذ عدة دورات انتخابية لحزب الوسط وحزب الجنرالات، ثم واجه نتنياهو معارضة يمينية من أحزاب وشخصيات يمينية ليبرالية، رأت في مشاركة الحريديم تهديداً لمدنية الدولة، وكان أبرز هؤلاء صديق وشريك نتنياهو منذ عام 2009 حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة افيغدور ليبرمان، وكذلك جدعون ساعر.
ثم جاء الدور حتى يكمل نتنياهو مسيرته بتحويل إسرائيل من دولة احتلال إلى دولة عنصرية، على أهم مؤسسات الدولة، ونقصد القضاء والجيش، وهذا يظهر جلياً في عهد الحكومة الحالية، وقد تحول نتنياهو بشخصه إلى رجل مستبد فاسد، وبعد توجيه تهم الفساد رسمياً له، بات في حالة عداء أو خصومة على أقل تقدير مع القضاء، الذي بفضله خرج نتنياهو من الحكم مدة عام ونصف فقط، حين تجمع الخصوم على هدف وحيد وهو إخراجه شخصيا من المنصب الأول في إسرائيل، وليس على هدف آخر. ومنذ ذلك الحين وعين نتنياهو على القضاء، ومجرد أن انتهى من تشكيل الحكومة الحالية، دفع بوزير قضائه للزج بمشاريع قرارات تقضم صلاحيات القضاء، تحصينا لمكانته كرئيس للوزراء، ودرءا لاحتمال إدانته وإخراجه بقوة القانون من المنصب، وهكذا انفتحت المعركة بين حكومة نتنياهو السادسة وبين القضاء، الذي نجح بدوره في إخراج شريكه زعيم شاس آرييه درعي من الحكومة، بعد أيام من تعيينه وزيرا للداخلية والصحة، ولم تنته المعركة بعد، فإن نجح نتنياهو بالسيطرة على القضاء، فإنه لن يكتفي بتحصين نفسه، بل قد يعيد درعي إلى الحكومة أيضاً.
أما المعركة مع الجيش، فقد بدأها بتنصيب الوزير الضعيف من بين قادة الليكود، يواف غالانت، مع صلاحيات محدودة يتنازعها مع كل من وزيري التطرف العنصري بحكومته، بن غفير وسموتريتش، بعد منحهما ملفات كانت تخص الجيش، وتحديداً تلك الملفات التي لها علاقة بعمل الجيش في الضفة الغربية المحتلة، وما زالت فصول هذه المعركة قائمة مع بقاء سموتريتش وزيراً في وزارة الدفاع، مع ملف الإدارة المدنية، وبن غفير مع ملف حرس الحدود.  
أما القضاء فيدرك بأن عليه أن لا يكتفي بما فرضه على نتنياهو من تراجع مؤقت بتنحية درعي عن وزارتي الداخلية والصحة، وقد أشارت صحيفة هآرتس قبل أيام، إلى وجود مساع من قبل المستشارة القضاء في محاولة منها لإلزام نتنياهو بالتنحي عن رئاسة الحكومة من خلال الإعلان عن عدم تمكنه من القيام بمهامه، وتابعت هآرتس القول بأن المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا ستبدأ بالتعاون مع مسؤولين في وزارة القضاء والنيابة العامة مشاوراتهم لبحث إمكانية إلزام نتنياهو بالتنحي عن منصبه، بسبب تضارب المصالح بين أحزاب الائتلاف الحاكم.  
ورغم أن الأمر يبدو بعيد المنال، إلا أنه يحمل في طياته احتمال بدء تفكير الليكود أخيراً بالتضحية بزعيمه، لوقف عملية "الانقلاب الداخلي"، بتولي العنصريين مقاليد الدولة، خاصة بعد أن دخلت إسرائيل بحكومتها الحالية في نفق من الخلاف الداخلي مع البيت الأبيض، وحتى مع يهود الولايات المتحدة، ومع قطاعات شعبية واسعة داخل الدولة، تدل عليها التظاهرات التي تتواصل في مدن إسرائيل الرئيسية، ذات الطابع المدني والتقليدية، مثل تل أبيب وحيفا، والأمر بتقديرنا مرتبط بالتطور على مستويين، الأول ملف التهم الموجه لنتنياهو شخصياً، والثانية مستوى تطور الخلاف بين الليكود من جهة وشركائه في الحكم من جهة ثانية.  
أما المستشارة القضائية للحكومة فقد بدأت مشاوراتها بناء على توقيع نتنياهو نفسه على اتفاق الامتناع عن تناقض المصالح قبل ثلاث سنوات بقولها بأن ذلك التوقيع ما زال سارياً وأنه يسري على كل ما يتعلق بشؤونه القضائية، وهذا يعني بأنه محظور عليه أن ينشغل بتعيينات أو تغييرات في جهاز القضاء من شأنها التأثير على سير محاكمته، وهذا يظهر بأن القضاء يقوم بصد محاولة هجوم الحكومة عليه عبر خطتها الهادفة للسيطرة على جهاز القضاء، بتعيين القضاة ومنع المحكمة العليا من إلغاء قوانين يضعها الكنيست أو تتخذها الحكومة، في إشارة لخطة وزير العدل الليكودي ياريف ليفين الخاصة بتعديل بتغيير النظام القضائي الإسرائيلي.